الجمعة، 30 سبتمبر 2011

ما الفرق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية؟


ما الفرق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية؟
حبيب عبدالرب سروري (*)

يكتنفُ استخدام مفهومَي «الدولة المدنية» و«الدولة العلمانية» في خطابنا العربي اليومي غموضٌ وخلطٌ وملابسات، لاسيما منذ بدء ثوراتنا العربية المجيدة التي فتحت بابَ الجدل على مصراعيه حول هذين المفهومين اللذين باتا يتصدَّران أهداف هذه الثورات.
للاجابة على عنوان هذا المقال، وللتطرّق للصعوبات التي ستواجه «علمنَةَ» الدول المدنية التي تنشدها الثورات العربية، يلزم التذكير أوّلاً بتعريفَي هاتين الدولتين.
الدولة العلمانية (المتجذّرة في حيوات معظم الدوّل المتقدّمة من أمريكا غرباً حتى اليابان شرقاً، مروراً بكلّ أوربا لاسيما تركيا، مركز امبراطورية الإسلام سابقاً) «دولةٌ تفصل بين السلطات السياسية، والمالية، العلمية، والدينية. تُخضِعُها جميعاً للقانون المدنيّ الذي يحدِّدُ أدوارها وميثاق علاقاتها».
كلمة «الفصل» هنا ليست شديدة الأهمية فقط، لكنها بيت القصيد... ثمّة مبدآن علمانيان جوهريان ينبثقان من هذا الفصل:
المبدأ الأوّل: تفصلُ الدولة العلمانية بين مجالين مختلفين في حياة الناس: العام والخاص. المجال العام (الذي يضمّ المدرسةَ، والفضاءَ المدني عموماً) مكرّسٌ لما يخدم جميع الناس، بغضّ النظر عن أصولهم وألوانهم ومعتقداتهم الدينية أو ميولهم الإلحادية. لا مرجعية فيه لأي دينٍ أو فلسفةٍ إلحادية. أما المجال الخاص فيستوعب كلَّ المعتقدات والرؤى الشخصية، دينية كانت أم لا دينية أو إلحادية.
المبدأ الثاني: تضمنُ الدولة العلمانية المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم، واللامتدينين والملحدين أيضاً. تدافع عن حريتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم (حريّة الضمير) وتحترمها بحق.

لعلّ مفهوم «الدولة المدنية» انبثق غداة إندلاع الثورات العربية، واكتسب أهميّةً متصاعدة بعد أوّل انتصاراتها. يُعرِّفُ الكثيرون هذه الدولة بأنها دولة «تحقق جملة من المطالب المتعلقة بالمواطنة المتساوية وبالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من المطالب المتصلة بحاجة الشعوب العربية إلى التطور والتنمية، وتستمدُّ قانونها من الشريعة الإسلامية».

إذا كانت كل دولنا العربية اليوم أشكالاً مختلفة للدولة الدينية التقليدية، فالدولة المدنيّة المنشودة لا تختلف كثيراً هي أيضاً عن هذه الدولة الدينية إلا بنزعتها المُعلَنة لإرساء الديمقراطية والمساواة ومواكبة العصر الحديث، فيما تختلف الدولة المدنية بشكلٍ ملحوظ عن الدولة العلمانية.
لإجلاء ذلك يلزمنا تحديدُ بعض الفوارق الجوهرية بين مفهومَي هاتين الدولتين. أو بالأحرى يلزمُنا توضيح ما أضافته الدولة العلمانية للحضارة الإنسانية، وما لا تمتلك الدولة المدنية شروط تحقيقه.

لعلّ أحّد أبرز ما حققه مفهوم العلمانية على الصعيد الحضاري هو انهاء الصراعات والإضطهاد الطائفي والحروب الدينية في الدول التي ترسَّخَ فيها هذا المفهوم، بفضل مبدئه الثاني. يكفي على سبيل المثال تذكُّرُ الخلافات الصدامية بين البروتستانتية والكاثوليكية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والحروب الدينية الطاحنة التي سبقت عصر العلمانية. صارت هذه الحروب والصراعات مستحيلةً اليوم في المجتمعات العلمانية بفضل المساواة المطلقة بين الجميع.
لعل عدم اعتناقِ مفهومِ الدولة المدنية للمبدأ العلماني الثاني لا يبعث الأمل الجاد بامكانية التساوي الكليّ الحقيقي بين مختلف الفئات الدينية أو العرقية في دولنا المدنية المنشودة، أو بامكانية القطيعة مع ما يؤدّي إلى تمييز فئةٍ عن أخرى. ناهيك أن أدبيات الدولة المدنية لا تضمن الاعتراف بحقِّ عدم الإيمان أو الإلحاد.

أحد أبرز الانجازات الحضارية الأخرى للدولة العلمانية إلغاؤها المطلق لِشرعية أية «فتوى» دينية أو سياسية تمسّ حياة عالِمٍ أو مفكِّر، أو تمنع إصدار أي كتاب، كما ازدحم تراجيدياً بذلك تاريخُ «فتاوى» الكنيسة في أوربا... لا تبدو في مشاريع دولنا المدنية أية نوايا تتعلق بالفصل القانوني بين الدين والسياسة والعِلم، بغية القطيعة الجذرية مع تاريخنا العربي الحافل بفتاوىٍ دينيةٍ وسياسيةٍ مضرّجةٍ بالقمع والدم مسّت حياة مفكرينا وأدبائنا بشكلٍ قياسيٍّ مريع.

تظلُّ المدرسة العلمانية أعظم إنجازات الدول العلمانية بلا منازع. يتأسّس عليها التفوق الحضاري لهذه الدول على بقية العالم. فهذه المدرسة (التي يَدرس فيها أبناء غير المتدينين أو ذوي الديانات والمذاهب المختلفة معاً، بشكلٍ حضاريٍّ متآلفٍ متناغم) مفصولةٌ تماماً عن تأثير أي دينٍ كان، أو فلسفةٍ مُلحِدة. تُعلِّمُ الطالبَ كيف يُفكِّر بروحٍ نقديّة، كيف يحكم لوحده دون أي يقينٍ مسبق بأية عقيدةٍ أو أيديولوجية، كيف يمارس حريّته في التحليل والتمحيص والرفض، وكيف يبني يوماً بعد يوم شخصيَّته المستقِلّة. تُكرِّس هذه المدرسة في الطالب العقليّةَ العلميّةَ الخالصة وتُنمِّي استخدامَها لِفهمِ الكونِ والحياة إنطلاقاً من مبادئ السببيةِ والتجربة والبرهان، وعبر دراسةِ نظريات العِلم الحديث، لاسيما نظريات النشوء والارتقاء، الانفجار الكوني الكبير (البيج بانج)... تسمح له هذه المدرسة أيضاً الانفتاحَ على استيعاب كلِّ التراث الفكري الإنساني بمختلف تياراته الفلسفية، دينية أو لادينية... هي باختصار: مدرسة ثقافة العقل والحرية والحداثة بامتياز.
لا يوجد في مشروع الدولة المدنية، الذي تُلوِّحُ به الثورات العربية حتى الآن، أية رغبةٍ جليةٍ في قطيعةٍ جذريّةٍ مع فلسفةِ وتكوينِ المدرسة العربية الحالية (1) التي انجبت بامتياز اجيالاً ممن تعلموا الخضوع للجلاد، وترعرعوا في ثقافة التفسيرات الظلامية للكون والحياة، وحافظوا على سمعة تخلفنا العلمي والاجتماعي والحضاري عموماً.

ثمّة أيضاً إنجازٌ حضاريٌّ علمانيٌّ هام: تحوّلَ الدين في الدول العلمانية إلى سلطةٍ روحية خالصة، لا يستطيع السياسيّ التحكّم بها. لا يمكنه مثلاً إعداد الخطب الدينية التي تُلقى في المعابد، مثل حال خطب مساجد دولنا الإسلامية التي لا تخجل أحياناً من التصريح بأن حاكمَ بلدِها «سادسُ الخلفاء الراشدين وأميرُ المؤمنين وسليلُ رسولِ رب العالمين!»...

باختصار شديد: ينتمي مفهوم الدولة العلمانية إلى نخبةٍ من المفاهيم الإنسانية الحديثة الراقية التي تتغلغل جذورها في أعماق الفكر الإنساني العالمي، لاسيما العربي المتنوّر (2). لا يرتبط هذا المفهوم بالطبع بنظامٍ محدّد، رأسمالي أو اشتراكي، يمينيٍّ أو يساري...

رغم توسّع انتشار العلمانية دوليّاً، يجد مفهومُ العلمانية عراقيل وكوابح لا حدّ لها في مجتمعاتنا العربية، تنذر بصعوبةٍ هائلة ستواجه عَلمنَة دولهِ المدنية المنشودة.
لعلّ أبرز مناهضي هذا المفهوم هم الظلاميون الذين يمارسون تجاهه تضليلاتٍ ذكيّة تَعرَّضنا لها في مقال سابق (2). يرافقهم بالطبع الطغاة العرب الذين يتدخّلون بضراوة في شؤون الدين ويستخدمون الفقيه مطيةً للسيطرة على أدمغة أبناء شعوبهم، وممارسة دكتاتورياتهم.
ليس هؤلاء فحسب، بل هناك العديد من «الثوريين» العرب الذين يتسمّرون أمام مفهوم العلمانية أو يعتبرونه، بكل بساطة، مفهوماً استعمارياً كونه انطلق من الغرب، رغم تِكرارهم لمصطلحاتٍ نهضت أيضاً في الغرب ذاته، كالديموقراطية وحقوق الإنسان.

ثمّة أيضاً عددٌ من المثقفين العرب الذين يجدون صعوبةً في خوض الانتقال للفكر العلماني، لأسبابٍ متنوّعة لا يمكن حصرها في هذا المقال.
لعلّ أبرز هذه الأسباب خيبة هؤلاء المثقفين العرب من السلوك اللاإنساني الجشع، أو اللاعلماني المنافق، لقادة عددٍ من الدول العلمانية الغربية وبعض مفكريها، خارج دولهم أو داخلها أيضاً.
يكفي على الصعيد الخارجي تذكُّرُ تحالف قادة هذه الدول، في عمق الحرب الباردة، مع السلفيين المسلمين وتدريبهم عسكرياً ضد «الشيوعية الكافرة» في أفغانستان، وما أدت إليه عواقبه من كوارث زلزلت الغرب في عقر داره. أو يكفي اليوم مراقبة التحالف المقدس لأمريكا العلمانية مع سياسات التوطين الإسرائيلية المنطلقة من أسس لاعلمانية رجعية عنصرية: «أرض الميعاد»، «خير أمة اخرجت للناس»...
لا يجد هؤلاء المثقفون العرب، وعندهم كلُّ الحق في ذلك أيضاً، منطقاً لفهم الازدواجية في سموّ مبادئ العلمانية ذات البعد الإنساني الراقي من ناحية، وفي خساسة السياسات الاستعمارية والاقتصادية والمالية الجشعة للدول العلمانية وما تصنعهُ من أزمات دولية تدمِّرُ الدول النامية من ناحية أخرى.

ويكفي، على الصعيد الداخلي لبعض الدول العلمانية، ملاحظة كيف يلجأ بعض قادتها السياسيين، مثل بعض قادة اليمين الفرنسي، بتسريب تصريحات انتخابية ديماغوجية نتنة، تسيء للعلمانية أساساً، بهدف إرضاء بعض العنصريين من الناخبين الذين لا يحترمون، لسببٍ أو لآخر، الأديان التي دخلت النسيج الإجتماعي الفرنسي في العقود الأخيرة كالإسلام.
لا يخلو مواقف بعض قادة اليسار ومفكريه من أخطاء موازية تسيء للعلمانية هي الأخرى عندما تلجأ، في معمعان معارضتها الإيديولوجية لليمين، إلى سلوكٍ لاعلمانيٍّ يدافعُ، باسم الحريّة الشخصية، عن مظاهر دينية ظلامية صارخة، كالنقاب الوهابيّ الطالباني، تتسلّل لِفضاء المجال العلماني العام الذي يُفترض أن يخلو من أي مظاهر تُخِلّ بالمبدأ العلماني الأول.
ولعلّ سلوك بعض العلمانيين المتطرفين، الذين يمارسون العلمانية كدِين، يسيءُ هو الآخر لمفهومها. لا يستوعب هؤلاء مثلاً دور الاسطورة والأديان في حياة الكثيرين. يغامرون أحياناً باقحام العِلم والفكر الحر في جدَلٍ هدفه دحض فرضياتٍ دينية بحتة (مع أنها ليست فرضيات علميّة أساساً) أو السخريّة بحدّة من رموزٍ مقدّسة ذات أهميّة عاطفية قصوى في حياة المتدينين... أليس من الكياسة بمكان عدم تجريح هؤلاء أو ايذاء مشاعرهم بمسِّها الكاريكاتوري الواخز؟...

(*) كاتب يمني، بروفيسور في علوم الكمبيوتر، فرنسا.

هوامش:
(1)      المدرسة والدولة المدنية ما بعد الثورة. حبيب سروري. القدس العربي، 17 مايو 2011.

(2)      كلام حول المفاهيم التضليلية للدولة العلمانية. حبيب سروري. القدس العربي، 7 سبتمبر 2011.



بعض تعليقاتي حول توكل كرمان، بين 23 يناير 2011، و7 اكتوبر 2011



 
بعض تعليقاتي حول توكل كرمان، بين 23 يناير 2011، و7 اكتوبر 2011


ابتداءاً من 23 يناير تحدثنا في ايميلنا الجماعي كثيرا عن توكل كرمان. بعثت يومها لأصدقائي في قائمة ايميلنا الجماعية العريقة هذا الايميل، إثر اختطاف توكل كرمان، بعد أن اتصل صالح بأخيها طارق يهدده بقتلها قائلا: من شقّ عصا الطاعة فاقتلوه:
===================================

من كل أصدقائي ينهال نحوي هذا الخبر الذي تناقله العالم:

تحية لهذه الإنسانة العظيمة الجبارة!...
يبدو أن الكثيرين من كبار الأعزاء: على الديلمي، مراسل التغيير وغيرهم تمّ اعتقالهم إثر ذلك...
لهم ولذويهم كل التحيات وخالص الإعجاب
كل الود
حبيب




في 24  يناير أضفت هذا التعليق:
==================

هذا الفيلم على يوتوب لمقابلة لتوكل كرمان في قناة الجزيرة يستحق أن يصغي له المرء عدّة مرات:
أرجو أن يصغي له الجميع ويبعثه للكل!...
اكتمال كلّي في الشخصية: ليس فقط في عظمة وشجاعة موقفها ونبله، لكن أيضاً في روعة الكلمات وسلاستها وخلوها من أي ثقب أو أدنى خطأ لغوي.
إنسانة فريدة نادرة!...
أعجبني تعليق واحد في "التغيير" حول مقال عن توكل، قال فيه: "اليمن تحتاج لعشرة نساء مثل توكل لاسقاط الطاغية"!...
كل الود
حبيب



لحقة: في ايميل آخر في 24  يناير
==================

كان جل تعليقي على مقابلة توكل في الجزيرة، وعلى حدث اختطافها، مرتبط بشجاعة الشخصية، بصلابتها في مواجهة الطاغية، بملكاتها القيادية، وباكتمال ذلك بلغة مضبوطة وكلمات رائقة...

عبارة قارئ "التغيير" الذي قال: "اليمن تحتاج لعشرة نساء مثل توكل لاسقاط الطاغية"!...
كان طريفاً لا غير لأنه يريد أن يقول (من باب الفكاهة): عشرة مليون رجل، أو صفر رجل "سوا سوا"...
لم أقرأه شخصيّاً كتقليل بدور الرجل، بل كجملة طريفة...
كل الود
حبيب


في ايميل في 25 يناير
============

تحدّثنا في ايميلات سابقة (أيام سجن محمد المقالح وهشام باشراحيل) عن مفهوم العظمة الذي ارتبط في ثقافتنا غالباً بمفهوم السلطة والجاه...
لعل العكس هو الأصح!...
نادراً ما نجد العظمة في حاكم أو ذي جاه (لاسيما إذا طال حكمه، وارتبط نهاية تاريخه بهزيمة نكراء، أو حرب استعمارية، أو تعذيب وقهر...)

العظمة الحقيقية هي في هؤلاء البسطاء الذين يستطيعون مواجهة الطاغية بشجاعة، يتقدّمون معارك الحرية والتحرر بثقة، يجعلون الديكتاتور يفقد توازنه وهو يضرب مقرات صحفهم بطائراته أو يأتي (كرئيس عصابة كما هو أبداً) للبحث عنهم بطواقمه العسكرية آخر الليل!...

توكل تستحق هذه الكلمة وبجدارة!
أصغيتُ لمقابلتها في الجزيرة. طرح مدنيّ بديع من بدايته إلى نهايته، أتمنى أن أمتلك يوماً عشر موهبتها وصفاء طرحها...
من من أفضل رجال السياسة في اليمن يمتلك هذه الموهبة وهذه الجرأة؟
لا أعرف إذا كان صحيحاً أن وراء كل عظيم امرأة، لكني متأكد، بعد أن سمعت زوج توكل يتحدث بذلك التواضع المهذب والفخر برؤية زوجته تقود المسيرات ضد الديكتاتور، متأكد أن وراء كل عظيمة رجل!...

هذا الدرس في المدنيّة الذي أعطاه زوج توكل لكل اليمن تاريخيٌّ أيضاً!
كم هم الذكور في اليمن الذين يتركون زوجاتهم يقودون ثورة التحرر من الطاغية؟

أن يأتي هذا الدرس من عضوين في حزب الإصلاح فمن حق حزب الإصلاح أن يفخر بعضويه!
أما أنا ففخري وإعجابي بهما لا حدّ له!...

كل الود
حبيب

لحقة:

أضيف له أن عبارة علي عبدالله صالح لتوكل: " من شق عصا الطاعة فاقتلوه"
تكشف بشاعته وهمجيّته التي تتجاوز كلّ ما افترضته!...
قبله واحد من قيادة الحزب الحاكم ذكّر توكّل في قناة الجزيرة بآية: "وقرنَ في بيوتكن"...

عزيزيّ منصور ومحمد: اعتدنا منذ قرون، بسبب ثقافتنا العتيقة، تقديسَ الجلاد وتحقيرَ الضحية.
اتركونا على الأقل خمسة دقائق نُقدس الضحية، هذه المرة!...

متفق معكما أن النصر سيصنعه الجميع، وهو آتٍ لا محالة!
لا أشك لحظة أن هذا الوجه البشع الذي دمّر حياتنا منذ حوالي 33 عاماً سيهرب قريباً!
لا أشك لحظة أن الفرحة قريباً بعودة صحيفة الأيام ستتفجّر في كل اليمن...
لا أشك لحظة أن الألعاب النارية ستتفجّر في سماء صنعاء وتعز وعدن! سيكون منقوشاً عليها هذه الحروف السنيّة: توكل!


في 7 أكتوبر 2011، كتبت هذه الكلمات العاجلة في موقع: حرية، من داخل اجتماع عمل، حال سماعي بانها حصلت على جائزة نوبل للسلام:
=============

مبروك لليمن ولتوكل كرمان جائزة نوبل

من قالت لصالح في 2006: إرحل

http://ar-ar.facebook.com/notes/%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9/-%D8%A7%D8%AE%D8%B1%D8%AC-%D8%A5%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%83-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%86/207026695977678
...

من قالت في قناة الجزيرة قبل أشهر: ما يريده الشعب يريده الله،


من دافعت عن جنوب اليمن الذي تحوّل غنيمة لمنتصري حروب 1994 ولم تتوقف عن المناداة بحقه بتقرير مصيره، نالت اليوم جائزة نوبل للسلام!... هنيئاً لها ولليمن هذا التكريم المتميز

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

العلمانية، وتضليلات السلفيّين الأربع


العلمانية، وتضليلات السلفيّين الأربع

حبيب عبدالرب سروري

نجح سلفيّوا الشعوبِ العربية بشكلٍ باهر بتقديم مفهومٍ تضليليٍّ للدولة العلمانية يثير رعبَ الكثيرين ورفضَهم، في حين يجدر أن تكون هذه الدولة اليوم "أقدسَ" وأنبلَ أهداف شعوبنا، لاسيما بعد تفجُّرِ ثوراتها الحديثة من أجل الحرية والكرامة، والخروج من عصور الخنوع والتخلف...

يلزم أوّلاً تقديم تعريفٍ للدولة العلمانية: هي دولةٌ تفصل بين السلطات السياسية، المالية، العلمية، التشريعية، والدينية. تُخضِعُها جميعاً للقانون المدنيّ الذي يحدِّدُ أدوارها وميثاق علاقاتها.
لهذا التعريف نتائجُ كثيرة أبرزها إتاحةُ الدولةِ العلمانية حريةَ البحث العلمي والتعبير دون تدخل سلطةٍ سياسيّة أو دينية، وكذلك حريّةَ الرأي والإيمان أو عدم الإيمان بعقيدةٍ أو دِين...
كلُّ شعوبِ العالَم المتقدمة تحيا اليوم في دولٍ علمانية. يشملُ ذلك عدداً هاماً من الدول، من أمريكا غرباً حتى اليابان شرقاً، مرورا بكلِّ أوربا، من فرنسا حتى تركيا، وإن كانت العلمانيةُ التركيةُ تميل في الجوهر لِفرضِ خضوعِ السلطةِ الدينيةِ للسياسيّة، أكثر مما هي فصلٌ حقيقيٌّ بينهما.

يمكن تلخيص التضليلات السلفيّة لمفهوم العلمانية بأربعة:
التضليل الأول: ينعت السلفيون الدولة العلمانية بالدولة الملحدة. في ذلك بهتانٌ خالص لأن الدولة العلمانية لا تمنع ممارسة الدِّين، بل تحترمه بشكل عميق، كما تحترم عدم الإيمان به بشكل مماثل. الدول التي كبّلتْ الأديان وضيَّقت خناق العبادات، مثل الإتحاد السوفيتي في عهد ستالين أو فرنسا غداة ثورتها قبل أكثر من قرنين، لم تكن دولاً علمانية.
لا يوجد ما يمنع تطوّر الدين في المجتمع العلماني أو حتّى وصول حزبٍ دينيٍّ إلى السلطة (كما هو حال الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا اليوم) إذا ما التزم بقانون الدولة العلمانية وميثاقها الضمني الذي يفصل بين السلطات.

التضليل الثاني: يُصرُّ السلفيون على المزج بين العِلم والدِّين. يتحدّثون في هذا الإطار عن مفاهيم لا علاقة لها بالعِلم، كالإعجاز العلمي في القرآن مثلاً.
في ذلك تضليلٌ جذريٌّ لأن مفهوم الدِّين والعِلم لا يربطهما رابط: الأول مبنيٌّ على اليقين والإيمان المطلق بنظريّةٍ دينيّةٍ قاطعة، هائلةِ الحجم كثيرةِ التفاصيل عادةً، تبدأ مثلاً بِخلق السماوات والأرض في سبعة أيام، ثم خلق آدم من نفخةٍ في صلصال، وخروج حواء من كتفه، قبل طردهما من الجنة بعد قصة التفاحةِ الشهيرة... والثاني مبنيٌّ على البرهان والسببيّة والتجربة، يتجاوزُ نفسَه يوماً بعد يوم. يمكن ممارسته من أيٍّ كان، ملحدٍ أم متديّن، شريطة أن يستخدم أثناء ذلك العقلية العلمية التي لا تحتاج لأية فرضيةٍ أو نظريةٍ دينيّةٍ أو ميتافيزيقيّة...
منهجا العِلم والدِّين في تفسير ظواهر الكون والحياة لا علاقة بينهما إطلاقاً. لا يحتاج رَجل الدِّين، على سبيل المثال، لمختبرات علمية وأبحاث عميقة لدراسة كيف نشأت ظاهرة اللغة، لأن النظرية الدينية تقول له بكل سهولة إن آدم كان يتكلم (اللغة العربية، كما يقول فقهاء المسلمين) قبل هبوطه للأرض... فيما يحتاج رَجلُ العِلم لمختبرات وأبحاث طويلة معقّدة يشتركُ فيها علماء البيولوجيا والحفريات واللغات وسيكولوجيا اللغة وغيرهم، من أجل اجلاء أسباب ظهور ملَكة اللغة لدى الإنسان وتطورها بشكلٍ يختلف جذريّاً عن بقية الحيوانات... يلجأون بُغية ذلك إلى متابعةِ تطور مختلف ظروف حياة أسلاف هومو سابيانس (الإنسان الحديث) في شجرة الأنواع البيولوجية خلال ملايين السنين، وتحليلِ التركيب الفيزيولوجي لهم، مستفيدين من الاكتشافات العلميّة الحديثة...
لا يعني ذلك بالطبع أن الإلحاد يشكِّلُ غايةً ما للعِلم، أو أن العِلم يقود إلى الالحاد بالضرورة. إذا كان العِلم يدحضُ بالفعل بعض المسلمات التوراتية، كبناء الكون في ستة أيام أو سبعة، فاكتشافاته تفتح دوماً أبواباً للتساؤلات والفرضيات التي يخوض فيها الفلاسفة وعلماء الدِّين كلٌّ بطريقته، كتلك المتعلقة بماهية الصدفة في نظرية النشوء والارتقاء ودورها مثلاً...

التضليل الثالث: يقول السلفيّون إن الدولة المسلِمة أثبتتْ أنها دولة العِلم لأنها أنجبت جابر بن حيان وابن الهيثم وغيرهم من علماء المسلمين في العصر العباسي، ولذلك لا تحتاج إلى العلمانية.
في ذلك الطرح جهلٌ عميقٌ بطبيعة العِلم الحديث من ناحية، وحجّةٌ واهية تثيرُ الاستغراب أيضاً.
لا شك أن الدولة الإسلامية كانت في العصور الوسطى في أوجِ الحضارة الإنسانية. أثرَتْ خلالها كوكبةٌ من علماء المسلمين وفلاسفتهم وأدبائهم جُلّ الثقافة والمعارف الكونيّة أيما إثراء... لكن تكرار الحديث اليوم عن ذلك مثيرٌ للهزل إلى حدٍّ ما، لاسيّما بعد قرونٍ لم تستطع الدولة الإسلامية فيها مواكبة العصر، بل أضحت تتقهقر في مؤخرته، وفي هذا الزمن بالذات الذي بات أصغرُ مختبرٍ علميٍّ غربيٍّ يبتكِر كل يوم كميّةً من المعارف تتجاوز كل ما انتجته القرون الوسطى...
في تكرار قول ذلك جهلٌ بتاريخ العِلم أيضاً، لأن الاكتشافات العلميّة الكبرى بالذات لم تتفجّر في الغرب العلماني إلا عند بدءِ تحرّرِ العِلمِ فيه (والفكر عموماً) من سلطة الدِّين، بشكلٍ تمّ تثبيتُهُ قانونيّاً في فرنسا على سبيل المثال، في 1905، بقانونٍ شهيرٍ فصل الدّين عن الدولة، بعد أكثر من عقدين من فصله عن المدرسة التي نُزِعت من جدرانِها كلُّ الإيقونات الدينية، ومن مناهجها كلُّ الموادِ والمسلمات الدينية...
فمنذُ أن لم يعُد للدِّين الحقُّ بالتدخل بقضايا وشؤون الفكر، بدءً بمواضيع دراساته وانتهاءً بِكتُبهِ ومنشوراته ومحاضراته، انفتحت أمام الحضارة الإنسانية كلُّ الأبواب، لتتوالى سلسلةٌ من ثوراتٍ علمية وقطائع ابستمولوجية مع العلوم القديمة ومسلّماتها الدينية قادت للحداثة المعاصرة...

التضليل الرابع: يقول السلفيون إن العلمانية ظاهرةٌ غربيّةٌ بحتة، لا مرجعية لها في بلاد العرب، ويلزم عدم استيرادها، بل يجب مقاومتها.
لا ترتبط العلمانية في الحقيقة بحضارةٍ معيّنة: تضمُّ في الواقع، فيما تضمّ، مجتمعات شرقية مسلِمة كتركيا، أو بوذيّة كاليابان. إنها حاجةٌ جوهريّةٌ إنسانيةٌ عالميّةٌ كليّة، في لحظةٍ مُعيّنة من تطورِ الإنسانِ الحديث، مثلها مثل النضال ضد العبودية والاستعمار. نشأت جذورُ العلمانيّة تاريخيّاً في معمعان صراعٍ طويل خاضه مفكروا التنوير، أدّى بعد قرونٍ من الكفاح إلى تأثيثِ فضاءٍ حرٍّ يستطيع الإنسان الحديث أن يمارس فيه حياته المدنيّة وحريّاته دون قيود.
لعل مرجعيتها في بلاد العرب أعمق جذراً من أية حضارةٍ أخرى: مَن، في أتون القرون الوسطى، شيّدَ المداميك الأولى للعقلانية واستقلال الفكر عن الخطاب الديني التقليدي، أفضل مِن كوكبةٍ من فلاسفة، تبدأ بالمعتزلة وتنتهي بابن رشد، صاحب «تهافت التهافت» وشرح ارسطو؟... مداميكٌ ترجمَتْها وتفاعلَتْ معها وتأثرَتْ بها وطوّرتْها بشكلٍ هائل حضارةُ الغرب قبيل عصور التنوير، أكثر من الحضارة العربية نفسها التي حُوربت وانحسرتْ فيها تلك الأفكار، ليسودَ فيها الانحطاط والظلامية حتى اليوم!...
من أبلغُ وأروع ممن فصل، في بداية القرن الحادي عشر، بين العِلمِ والدِّين أيما فصل، عندما قال:
إثنان أهل الأرض ذو عقلٍ بلا      دِينٍ، وآخرُ ديِّنٌ لا عقل له  
فيلسوفُ الشعراءِ وشاعرُ الفلاسفة، أبي العلاء المعري؟
ثم لا يوجد في الحقيقة تضليلٌ أتفهُ من تضليلِ مفهوم «نقاء الحضارات» (عدا مفهومُ «صراع الحضارات»!): لا تتطور في الواقع حضارةٌ ما دون أن تستوعب إنجازات الحضارات الأخرى أوّلاً وتتمثلها وتتجاوزها. ذلك ما برهنت عليه حضارةُ لغة العرب ابتداءً من القرن الثامن عندما ترجمت تراث الإغريق والشرق واحتضنته قبل أن تصل لِمجدِها. كذلك فعلت الحضارةُ الأوربية في منتصف الألفية السابقة مع تراث الحضارة العربية. وكذلك فعلت اليابان أيضاً في القرون الأخيرة...

الخميس، 1 سبتمبر 2011

حرية، حرية، حرية...


حرية، حرية، حرية... (*)
حبيب عبدالرب سروري

1)) وباء الحرية
«كي تحكم اليمن 33 عاماً يلزم أن تكون ثعباناً يرقص فوق هامات جياع!». أجاد علي عبدالله صالح تطبيقَ هذا الشعار بمنهجيّةِ رئيس عصابةٍ مهنيٍّ جدّاً.
كان شعارُ ثعبانِ اليمن ناجحاً جدّاً قبل أن يجتاح البلد مرضٌ اسماهُ الثعبان: «انفلونزا الجيران». لم يُوفّق كثيراً هذه المرة: ما اجتاح اليمن هو وباءٌ كاسح اسمه: وباء الحريّة، وباء الكرامة، وباء إرادة إسقاط نظام التجويع والاستبداد وكل منظومته الاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياسية، وباء الرغبة العارمة بحياة أخرى، مؤسسةٍ على العلم والمدنيّة، مفتوحةٍ على الحضارة والمستقبل...

2)) إذا منعتمونا من الحلم، فسنمنعكم من النوم!...
دعونا نحلم: سيبدأ قريباً عصرٌ يمنيٌّ جديد تشرئب فيه حضارةٌ مجيدةٌ شامخة. ستصبحُ فيه عدَن، التي دمرّتها الحروب والنهب والتهميش، فنارَ الجزيرة العربية، وواجهةَ اليمن المدنيّة ومفتاحَ اندماجها في العصر الحديث.
ستقبِرُ فيه صنعاء إلى الأبد عهدَ آخر إمامٍ همجيٍّ متخلف (علي عبدالله صالح) أغرق كلّ اليمن في وحل الفساد والجهل والفقر والتخلف. سيتحوّل فيها قصرُه الرئاسي (الذي تفوق مساحته مساحة قصور رئاسات الخمس الدول العظمى مجتمعة، والمدجّج بالملاعب الخيالية والترف المثير للاشمئزاز) إلى مؤسسات تعليمية وجامعة علمية وتكنولوجية حديثة تنافس أرقى الجامعات المتقدمة... ستتحولُ فيها جامعةُ الإيمان (مرتع الظلامية والتعليم السلفي الذي لا موقع لهما من الإعراب في الدولة المدينة التي قامت من أجلها الثورة) إلى جامعةٍ مدنيّةٍ للعلوم الاجتماعية والتاريخ، بمناهج مدنية حديثة.
ستتحول تعز إلى عاصمة الثقافة والإبداع اليمني، والمختبرَ الحي لصيانة الثورة وتطوير الديمقراطية اليمنية. سيكون للمكلا، للحديدة، لذمار وإب، ولكلّ مدن اليمن أدوارها الطليعية في بناء حضارة جديدة سامقة...
دعونا نحلم!...

3)) نريدها حرّةً كريمةً لأننا لن نعيشها مرّتين
ثمة نضجٌ ديمقراطيٌّ وسياسيٌّ فيما سمعناه من أحاديث الساحات الثورية أمس: لا زحف نحو القصر الرئاسي، لأن مختلف الاتجاهات في الساحات ليست متفقة على ذلك بعد...
طبيعيٌّ جدا أن ينال قرارٌ هامٌّ كهذا موافقة الأغلبية الساحقة من الثوار: وحدةُ قوى الثورة شرطٌ جوهريٌّ لنجاحها: كل تجارب الثورات تبرهن ذلك. فالثورةُ ليست قراراً طائشاً لرئيس عصبةٍ من الهنود الحمر. لكنها، مع ذلك، صاعقةٌ تسقط على رأس الطاغية في لحظة يلزم اختيارها بذكاء وإجماع...
أي أنه إذا قُرِّر الزحفُ فليكن في لحظةٍ مضمونةِ العواقب، لا يمكن لها إلا النجاح. لأن أروعَ الانتصارات هي تلك التي تأتي دون ذرف قطرة دمٍ واحدة، ولأننا ضد استخدام العنف حتى ضد الطاغية صالح: لا نريد إلا محاكمته وسجنه على جرائمه واستعادة كل ما نهبه هو وحلفاءه...
نحن ضد قتل كل المجرمين والطغاة: بن علي، مبارك، صالح، القذافي، بن لادن، بشار الأسد... القتل سلاح السفلة، وشعارات الانتقام المتخلفة، مثل «العين بالعين، والنفس بالنفس» لا تنتمي لقواميسنا النبيلة الراقية...
نحن ثوار الحياة!
لن نقْبلها (هذه الحياة) وجهاً آخر للموت، كما يريد الطغاة. نريدها حرّةً كريمةً، لأننا لن نعيشها مرّتين!...

4)) كيف يمكن تجميل دماغٍ منقوعٍ بالخراب؟
لا شيء غير التناغم: وجهٌ مصنوعٌ من ثاني أكسيد الكربون، يخرج إلى الشاشة، من عاصمة المملكة السعودية، في يوم الخراب الأكبر: 7 يوليو، بعد 17 سنة من يومِ تحويلِ عدَن وجنوب اليمن إلى غنيمةٍ لعصابةٍ من مجرمين وسفلة دمروا اليمن بحرب 1994 القذرة.
ثمان عمليات تجميلٍ لِجُثّةٍ بشعة، بشعةٍ جداً... النتيجة: مومياء مهشّمة كسيحة صالحة أخيراً للعرض!... لكن كيف يمكن تجميل دماغٍ منقوعٍ بالصديد، مصنوعٍ من عصبونات الخراب؟
حتّى وإن لا يسوى صاحبُ هذه الصورة منديلاً قديماً للشهيد ناصر فدعق، أو حذاءً للشهيد نزار هائل سلام، أو لغيرهم من شهداء هذه الثورة، أو لمن
اغتالهم وأبادهم خلال 33 عاماً من البطش، فصاحب هذه الجثة كائنٌ حيّ، يستحق جهازه البيولوجي منّا الرثاء والأمنيات الطيبة المخلصة. يستحق أن نتمنى له دهراً كله عمليات تجميل، وعمليات تشريح، وعمليات استبدال أعضاء بيولوجية بأخرى جديدة، لاسيما عملية استبدال دماغه بدماغٍ جديدٍ لإنسانٍ آخر...
هذا الزاهد الذي قال إنه بعد 33 عاماً قد ملّ السلطة، يتمسّك بها اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. حتّى لو بقى من جسده أنصاف اشلاء فستنبتُ في أطرافها جميعاً أظافر وأسنان للتشبّث بمقاليد الحكم وتسليمه لعصابة أولاده وأولاد أخيه الذين ورثوا منه كل دمويتهِ واحتقارهِ لحاجةِ هذا الشعب لحياةٍ أخرى حرّة كريمة...
لو كان لهذه الصورة فضلٌ واحدٌ فقط فهو كونها أضافت تنويعاً جديداً لمصير الطغاة العرب: بعد بن علي الهارب في منفاه السعودي، ومبارك الذي ينتظره في أفضل الأحوال قضاء بقية حياته في سجنه المصري، ها نحن أمام ديكتاتورٍ ثالث دخل مزبلة التاريخ جثّةً متفحّمةً كسيحة.
أرثي مسبقاً القذافي وبشار الأسد وبقية الحرامية والمجرمين...

5)) الثورة اليمنية: جمودٌ غير مفهوم. احتاجُ لتنوير
يبدو من بعيد أن النظام اليمني معلّقٌ بخيطٍ رفيع: الرئيس في السعودية بدون رئتين، النظام هرول تقريباً بشكل كامل، إن لم يكن قد سقط، معظم المحافظات والمدن في شبه استقلال كامل... غير أن القصر الرئاسي وأجهزة القمع العسكرية بيد العصابة العائلية: ميراثهم العائلي الذي يرفضون التخلي عنه!...
مرّت في الحقيقة أسابيع عديدة منذ أن غادر الرئيس وأعمدة نظامه اليمن، دون جديد. تعيش الثورة اليمنية جموداً ملحوظاً، كما يبدو للمراقب من بعيد.
أعرف مع ذلك أن الثورة اليمنية هي الأصعب عربيّا لأسباب ثلاثة على الأقل: الأمن والجيش بيد عائلة الديكتاتور (مثل ليبيا وسوريا)؛ الدول المجاورة لليمن لا يهمها شيء أكثر من إجهاض هذه الثورة ومنع بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة في اليمن؛ والعالم الخارجي لا يقدم أي دعم حاسم أو ملموس للثورة اليمنية (بعكس ليبيا)...
أعرف أيضاً أن الثورة عموماً عملية شاقة طويلة (حالتا تونس ومصر استثنائيتان جدّا، حالفهما تأثير عنصر المفاجأة وشروطٌ ذاتية ناضجة): لا يضحكني أحد أكثر من صديق لي زعلان جدا لأن ستّة اشهر مرت على بدء الثورة اليمنية ولم تغدو اليمن إثرهما حتّى الآن دولةً مدنيّةً على نمطٍ اسكندنافي، كما يهوى!...
لكن هذا الجمود يربشني قليلاً. أحتاج لِمن يشرح لي كيف أفكك طرفي هذه المعادلة التي تبدو لي ضبابية أكثر من أي وقتٍ مضى. احتاج لتنوير...

6)) عن حرية العسل وكرامته
يترجم أهل المغرب الأعزاء، التي أقضي فيها جزءاً من إجازتي الآن،
«Miel Pur»
المكتوبة في علب العسل المغربية، ب: عسل حر، بدلاً من: عسل نقي أو صافي!...
كدت اضيف هذه الترجمة لقائمة الترجمات المغربية الخاطئة لولا ملاحظتي أن الحرية، في آخر التحليل، ابنة عمة النقاء. بينهما حبل سريّ. عندما يتحرر الإنسان من أدران عبوديته يزدادُ نقاءً بالضرورة...
لن يخطئ كثيرا إذن من يتحدث عن حرية العسل وكرامته!...

7)) تعليقات مغربية مرحة عن ثورة اليمن
صديق مغربي ظريف جدا، قال لي أمس:
«الحكمة يمانية. الدليل على ذلك أن من أحرق علي صالح وزمرته في جامع النهدين اراد أن يعملوا دورة تدريبيبة (ستاج) قبل أن يقضوا حياتهم في افران جهنم.»
حكمة من جنوب المغرب: «اليمن سيارة ماكنتها مشحونة بالأحصنة، لكن سائقها حمار.»

(*) أوراق صغيرة من موقع فيسبوك: «حرية، حرية، حرية» الذي يشرف عليه صاحب المقال، والذي يحوي أكثر من 500 ورقة تتجدد يوميا منذ بدء الثورات العربية.