الخميس، 11 سبتمبر 2014

مقال الأستاذ يوسف ربابعة عن « ابنة سوسلوف » في القدس العربي


«ابنة سوسلوف» لليمني حبيب سروري: التحولات في زمن الصخب 

يوسف ربابعة
SEPTEMBER 10, 2014

يقدم حبيب السروري في روايته الصادرة عن دار الساقي رؤية نقدية جريئة لواقع المجتمع اليمني وتحولاته الصارخة خلال أربعين عاما، ابتداء من الايدولوجيا اليسارية الثورية ضد الرجعية والامبريالية، وانتهاء بأيدولوجيا الدين والمد السلفي العارم، وذلك عبر خلق شخصيات تبدو قريبة من الواقع حتى تجعلك غير قادر على التمييز بين كونها حقيقية أو متخيلة، وكذلك الأحداث بكل تفاصيلها، فالرواية إلى حد ما تبدو تسجيلية واقعية، تؤرخ لحالة اليمن عبر تحولات لا منطقية أحيانا، وربما فانتازية أحيانا أخرى.
تبدأ الرواية من حيث بدأ الربيع العربي في اليمن، مستذكرا بطلها نشيد الصوفي الذي كان يقود الناس ليرشدهم إلى طريق الخلاص الروحي، لكن هذا النشيد يتحول مرة واحدة إلى نشيد عنيف، يضج بالقوة والسخط، ليقول: «عادت الأرض بالقوّة وبالانتفاضات… عنف بالعنف لولا العنف الإقطاع ما مات… ولولا العنف ما تفجّر العالم بثورات… ولولا العنف ما سقطت جميع الحثالات!»، إنه التأسيس للعنف بكل تفاصيله وتحولاته، وهذا التناقض بين النشيدين يجعل بطل الرواية في حالة تيه فكري، ويتساءل: «لماذا لم تبتكر “الجماهير الشعبيّة الكادحة” لحناً آخر ينسجم مع هذه الكلمات الناريّة، بدلاً من ذلك اللحن الصوفي الرقيق الذي كنّا نغنّيه في طفولتنا خلف الحساني؟ ما أتفه الحسّ الفني للجماهير الشعبية الكادحة! ما أتعس الكسل! ما أقبح وألعن سوء الذوق!…».
وحتى لا نغرق في أحداث الرواية دون السباحة برفق على الشاطئ فإننا نشير إلى أن (سوسلوف) هو أحد القادة الشيوعيين اليمنيين، الذي كان يقود الجماهير الثورية ضد النظام الرجعي، وقد تحول فيما بعد إلى متدين سلفي، وابنته هي بطلة الرواية، التي كانت تقود الجموع في ميدان التحرير أثناء ثورة الربيع العربي، وهي من قادة السلفية الجهادية في اليمن، وسوسلوف وابنته وغيرهم هم رموز التحول من اليسار الثائر إلى اليمين الحائر، فـ»صاروا جميعاً حينها “مناضلين طليعيين”، ماركسين لينينيين من الطراز الرفيع، لمدة عقدين، قبل أن يتحوّل بعضهم إلى ظلاميين من الطراز الرفيع أيضاً، في هذا الزمن الجديد؛ زمن انتصار الخراب والظلمات!».
ترصد الرواية تحولات ابنة سوسلوف (فاتن) أو (هاوية)- كما كان يحب أن يسميها- من يسار علماني منفتح، إلى سلفية ظلامية– كما يسميها فيما بعد- فقد كان بطل الرواية (عمران) يحبها عندما كانت صغيرة، تأتي إلى الدكان مع أمها، وتنتمي للطبقة الغنية، لأن أباها سوسلوف من المسؤولين في الحكم، ويلتقي بها بعد طول غياب، ليعود إلى عشقها مرة أخرى، ولكن بطريقة درامية سرية، كما كانت تدير نشاطاتها بتلك السرية المفرطة.
ولا ننسى أيضا هنا في الحديث عن هندسة الأحداث أن نشير إلى أن حبيب سروري قد أدخل النمط الحديث في الرواية، حين كان يعتمد في بث أفكاره على حائطه في (فيس بوك)، مستخدما ذلك رمزا لتحولات الأدوات التي يمارسها السلفيون في اعتمادهم على الأدوات الحداثية في تسريب أفكارهم والتواصل فيما بينهم والرد على خصومهم، فكثير من الفقرات تبدأ بعبارة (منشور من حائطي في الفيس بوك)، كما أن السرد يقوم على مبدأ الاعتراف، وهو اعتراف ما بعد الموت أمام ملك الموت وهادم الملذات، ليعترف بكامل إرادته، ويقول: «لو طلب مني هادم الملذّات ومفرِّق الجماعات أن أقول كلمتين تلخّصان مشاعري حال رؤيته، فسأقول: ما حصل لحياتي يتجاوزني تماماً لم أستوعب منه شيئاً، سأكون محظوظاً وممتنّاً لوساعدتني، عزيزي قابض الأرواح، على توضيح ذلك وفهمه، أنت الذي كشف لك البارئ بالتأكيد أسرار البدايات وعرجنات المصائر».
لا يمكن للبطل ولا للراوي استيعاب ماحصل، كيف ينقلب الفكر إلى نقيضه مرة واحدة؟ وعند أول اختبار «حرب أهليّة انشطر فيها الجيش والحزب الحاكم على أساسٍ مناطقيٍّ قبلي، كاشفاً أن الأفكار الاشتراكية والبروليتارية كانت مجرد أقنعة يضعها ماركسيون أميّون ليسوا في العمق أكثر من قبائل همجيّة متخلفة!، وكيف يعيش سوسلوف بمغامراته الجنسية والسرية مع النساء، وانشطار عائلته وتفتتها، كما هو انشطار اليمن بين الجيش والحزب الحاكم»، وربما يصل ذلك التحول حد السخرية، فلا منطق ولا معقول، ويبدو أن السخرية قد دخلت في بناء الرواية، حين يتحدث عمران عن تاريخه في الحزب الشيوعي، وذات اجتماع مهم كان سيتقرر فيه تاريخ العالم، فيقول: «اتَّفقنا على كلِّ شيء تقريباً، إلا على تفصيلٍ لغويٍّ شكليٍّ جدّاً لا غير، في مشروع توصيةٍ من سطرين أو ثلاثة بالغة الأهمية، جوهريّةٍ جدّاً، ستُغيِّر موازين القوى في الكرة الأرضية والكواكب المجاورة، حول “دعم شبيبة أحياء الشيخ عثمان وضواحيها للثورة في موزمبيق!”. ولا يمكن فهم ما حصل عبر أربعة عقود من الزمن، فعندما تصادف وتلاقى عمران مع مدير المدرسة العليا الماركسية في الشارع العام، بدا الأمر أشبه بطلاسم لا يستوعبها العقل، إنه الموت الغامض الذي يلفنا ولا نعرف كيف وأين نغيب، التقيا .. ويقول: «عرَّفته بزوجتي التي مدّت يدها بشكلٍ طبيعيٍّ لمصافحته. اعتذر عن مصافحتها قائلاً إنه “متوضئ”! اعترتني، عزيزي قابض الأرواح، شحنةٌ كهربائية. غيضٌ، إهانة. كفرٌ بهذا التقلّب من أقصى الإلحاد الماركسي اللينيني المدويّ إلى أقصى التظاهر الشكلي والتشدّق الصارخ وغير المهذّب بالدين: رئيس المدرسة العليا لعلوم الماركسية اللينينية في عدن يرفض مصافحة زوجتي حتّى لا ينقض وضوءه…»
ابنة سوسلوف هي اليمن بكل ما فيها من تناقضات، عملٌ سرّيٌ منظّم. أسماء تنكّرية في كلِّ مكان. جيوشُ ظلام. جهادٌ سلفيٌّ بأحدث التقنيّات وبعبارات من عصور الأولّين. القرون السحيقة تنفجر من الضحك! بقينا زواحف كما كنّا، فيما زاحف الغرب، الذي كان أضعف منّا بالفعل، اكتسب زعانف وأجنحة مارد، وسيطر على الكون. زعانفه وأجنحته: التحرّر من وصاية وسلطة المسلّمات غير العلميّة. ولذا كانت ثورتها مزيجا من الظلم والظلام، لم يتغير شيء، إنها تريد أن تخرج من ظلمة لتدخل في أخرى «يبدو، مع ذلك، للعين المجرّدة أن ثمّة شيئاً ما يشبه الثورة، صور الطاغية ممزَّقةٌ على الجدران، شعاراتٌ جديدة تنبت هنا وهناك، نداءاتٌ وأحاديثُ متمرِّدة ألتقطها في المطار وأثناء عبور صنعاء المشطورة بين قوّتين: من الأفضل الإصابة بـ (سرطان الدم) النظام الحالي أم (سرطان المخ) نظام السلفيّين، الطاعون أم الكوليرا؟.
يرى كاتب الرواية على لسان بطله أن الثورة في اليمن ليست إلا فوضى جديدة، لا تحمل مشروعا حضاريا ولا رؤيا للمستقبل، هي فقط نوع من النفاق الشعبي والهستيريا الوطنية، فلا تصدِّق إطلاقاً أن هذا الشعب (الجمهوكي) أي: الجمهوري ملَكي يريد التغيير. هو أكبر منافقٍ في الكون، ابناً عن أبٍ عن جد. لا تصدِّقه إطلاقاً!»، إنه فوضى من الأهداف والأفكار والمشاعر والأحاسيس المتناقضة، مثل ابنة سوسلوف التي تمارس العفة والطهر علنا أمام الجماهير، وتمارس كل أنواع الغرائز الفاضحة في الخفاء، هي اليمن بكل ما فيها، «مدينة صغيرة، بداخلها جيش، شرطة، مواطنون، جامعة، أسواق، محاكم، مدارس، شوارع، محطات وقود، مطاعم شعبية، عشاق صغار، شعراء مغمورون، متصوفون زاهدون، تجمعات لسائقي البيجو في المساء، كهول حكّاؤون، أطفال حفاة وأمهات مصابات بالربو، عمال يؤوبون من مصانع الإسمنت عند الغسق، مدرّس للقرآن ذو مظهر كنعاني قديم، وبائع جرائد يفقد كل يوم نسخة من جريدة أو عشر نسخ»، وبكل هذه الفوضى العارمة يكون التدين وتنبت الأفكار، فلا ثورة تنجح في مجتمع لا يعرف ماذا يريد، ويسعى خلف السراب، فلا خاسر ولا كاسب «لم يخسر الأوّل إلا نصف سلطته ولم يكسب الآخر إلا نصفها. الخاسر هو العصفور الصغير الجميل، حلم الثورة اليمنية، الذي سقط على منقاره كعصفورٍ طار قبل موعده. سقط عموديّاً حيّا به، حيّا به! في مثلث برمودا ذو الرؤوس الثلاثة: شدق الملك، شدق الجنرال، وشدق الإمام». 
وتنتهي أحلام عمران بانتهاء حلم في حبه ووطنه، حين ماتت زوجته منذ البدء بحادث تفجير الأنفاق في فرنسا، ليفقد كل ما كان يحدوه من أمل، «وإن أمسى الشعب أكثر إرهاقاً من أن يريد فعلاً شيئاً ما. يكفيه أن يكون على قيد الحياة فقط. أما أن يكون فوق جناح الحياة، فذلك حلمٌ ناعمٌ لا يدغدغ اليوم إلا الشعراء وأنصاف المجانين…
كاتب أردني

يوسف ربابعة

الأحد، 7 سبتمبر 2014

مقالة الأستاذ صبري حافظ عن ابنة سوسلوف (الجزء الأول والثاني) في التحرير المصرية


الجزء الأول:
صبري حافظ

«ابنة سوسلوف».. وجناية الإسلامجية على الثورة اليمنية


رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربى، ونجاح الثورة التونسية فى الإطاحة بنظام بن على فى 14 يناير 2011، وما أعقبها من طوفان ثورى أطاح بعدد من طغاة الزمن العربى الردىء، فإن الربيع العربى لم ينتج نصوصه الأدبية الكبيرة بعد. فالنصوص الأدبية هى أكثر النصوص كشفا عما وراء السطح وقدرة على إثارة للأسئلة المدببة. وهى الكاشفة لحقيقة قاعة المرايا التى يبدو أن الربيع العربى قد تاه فى أبهائها. فكثير مما يحدث فى تونس أو مصر يجد مراياه الصقيلة منها أو المعتمة فى اليمن، وما يدور فى سوريا تنعكس أشباحه فى ليبيا، وإن كان بصورة متغايرة. لذلك فإننى فى انتظار الأعمال الأدبية التى تكتب هذا كله، وأحرص على البحث عنها وقراءتها. فباستثناء عمل سعد القرش التوثيقى المهم «الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير» عما جرى فى مصر إبان ثورة 25 يناير، فإننى لم أقرأ نصا عن الربيع العربى بأهمية هذه الرواية اليمنية الجميلة، أو بعمق استبصاراتها. صحيح أن السيد نجم أصدر مطلع هذا العام رواية جديدة عن الثورة المصرية، بعنوان «أشياء عادية تحدث فى الميدان»، وأن هناك أعمالا كثيرة أخرى تسعى للاقتراب من الربيع العربى وسبر بعض أغواره، لكننى لم أقرأ عملا قادرا على إضاءة ما جرى وموضعته فى سياقاته الأوسع مثل هذه الرواية الجميلة «ابنة سوسلوف» للكاتب اليمنى المرموق حبيب عبد الرب سرورى.
وسرورى كاتب من طراز فريد فى سياق الرواية العربية، ناهيك بالرواية اليمنية الوليدة التى تركت بصماتها الخاصة عبر أعمال محمد عبد الولى، وزيد مطيع دماج، اللذين رحلا مبكرا، ووجدى الأهدل ونادية كوكبانى وغيرهم. لأن حبيب سرورى، الذى نجد شيئا من سيرته الذاتية، وقد انتابها الكثير من التحوير الروائى، وهى تتجلى فى شخصية بطل هذه الرواية الجديدة، عمران، له خصوصيته الفريدة. ليس فقط لأنه جاء من عدن فى جنوب اليمن، بينما انحدر أغلب كتاب الرواية اليمنية من الشمال، ولهذا الأمر أهميته بسبب خصوصية التجربة اليمنية فى الجنوب فى أثناء سنوات تكوينه، لكن أيضا لأنه بدأ كتابة الرواية بالفرنسية، حيث صدرت روايته الأولى «المملكة المغدورة» بها عام 1998، ثم انتقل إلى الكتابة بالعربية، ونشر بها حتى الآن «عرق الآلهة»، وثلاثية «دملان» الروائية، ثم «طائر الخراب» و«تقرير الهدهد» و«أروى» قبل أن يعود فى روايته السابعة إلى سيرته الروائية يعتمد عليها فى الكتابة عن الربيع العربى فى اليمن. فالكتاب عادة ما يلجؤون إلى سيرتهم الذاتية فى رواياتهم الأولى.
لكن تجربة حبيب سرورى المتفردة، التى جاءت به لفرنسا فى بواكير الشباب للدراسة بها، ثم انتهت به إلى الاستقرار والعمل فيها، تركت ميسمها الواضح على مسيرته الروائية. فهو أستاذ لعلوم الكمبيوتر فى قسم هندسة الرياضيات التطبيقية، كلية العلوم التطبيقية، بجامعة روان فى فرنسا، كما يقول التعريف المكتوب على ظهر غلافها. وله أبحاثه العلمية فى هذا المجال، لكنه يكتب الرواية إلى جانب البحث العلمى فى عدد من فروع الرياضيات النظرية منها والتطبيقية. وهو الأمر الذى ترك أثره على روايته «عرق الآلهة» بتجربتها الفريدة التى يزاوج فيها بين الاستقصاءات العلمية فى الرياضيات وأبحاث الدماغ، وتقنيات رواية الخيال العلمى لسبر جوهر العلاقات الإنسانية وردود الفعل البشرية. كما أن ولعه بالبحث فى التراث العربى أسفر عن رواية «تقرير الهدهد» التى تتمحور حول عالم أبى العلاء المعرى وشخصيته. أما «أروى» التى نشرها العام الماضى، وقرأتها قبل هذه الرواية الجديدة، فهى قصة حب يمنية شيقة وغريبة تكتب اليمن أسطوريا وواقعيا معا، وتدور الكثير من أحداثها بين اليمن وأوروبا، وقد أعود يوما للكتابة عنها لما تتسم به من بنية روائية شيقة، كشفت عن نضح فنى استفادت منه بلا شك هذه الرواية الأخيرة «ابنة سوسلوف» مما مكنها من سبر أغوار الربيع العربى فى اليمن، وخارجه معا.
فنحن إذن بإزاء كاتب يمنى من جنوب اليمن، أمضى الشطر الأكبر من حياته فى فرنسا فتكون فيها علميا وثقافيا وفكريا، لكنه لم يستطع أن ينزع قلبه من اليمن، ومن اليمن الجنوبى على وجه التحديد. وظلت شمسه الحقيقية هى شمس اليمن الجنوبى وبحر عدن، على الرغم من شغف حبيب سرورى بشمس الجنوب الفرنسى ومهرجاناته الثقافية. ولذلك كانت العودة بعد مسيرة من النضج الفكرى والتجربة الروائية، إلى سيرته الذاتية يمتح منها ما يمكنه من وضع خبرته بما دار فى اليمن منذ اندلاع الثورة فيه، فى سياق سياسى واجتماعى وتاريخى أعرض. وربما كانت المسافة التى تتيحها له الحياة فى فرنسا من ناحية، والعمل فى مجال علمى خالص، بعيدا كل البعد عن هموم الوطن العربى عامة، واليمن خاصة من ناحية أخرى، هى التى أتاح لهذه الرواية أن تكتب الربيع العربى فى اليمن من مسافة ضرورية لرؤية الكثير من أبعاده.
والواقع أن عودة الكاتب إلى سيرته أو بأحرى إلى تجربته اليمنية يافعا فى يمن الثورة الاشتراكية فى عدن كانت ضرورية لسببين: أولهما أن الروايات الجيدة تعتمد على خبرة الكاتب الحقيقية بموضوعها، وليس أكثر حقيقية من خبرة الكاتب الذاتية. وثانيهما أن تغطية الرواية هذا الزمن التاريخى العريض الذى يمتد إلى نصف قرن من أواخر ستينيات القرن الماضى حتى الآن، مكن الرواية من تقديم استقصاءاتها المهمة حول كيف تحول الواقع العربى عامة، والواقع اليمنى خصوصا من زمن الحلم بالتحرر والتقدم والاشتراكية، إلى «زمن انتصار الخراب والظلمات»، وهو الزمن الذى استطاع أن يلتهم الربيع العربى فى اليمن رغم عرامة الثورة فيه وعنفوانها. وأن يحيل ما جرى فيه إلى مرآة نستطيع أن نتأمل فى انعكاساتها كيف أصبح الإسلامجية، الذين يتاجرون بالإسلام ويحيلون قيمه النبيلة إلى أدوات للاستيلاء على السلطة وتكريس التخلف والفساد، فى كل مكان أداة من أدوات الثورة المضادة، وقوة من قواها الشريرة التى تسعى لتدمير الحلم بالعدل والتقدم والثورة معا. وهذا ما سنتعرف عليه حينما نقرأ معا «ابنة سوسلوف» الأسبوع القادم.

الجزء الثاني:

صبري حافظ

«ابنة سوسلوف» وكيف دمر الإسلامجية أحلام الربيع العربى


تغنيك رواية الكاتب اليمنى حبيب سرورى (ابنة سوسلوف)، كالروايات الجيدة، عن قراءة كثير من كتب التاريخ ودراسات التحول الاجتماعى، وشبكة تيارات الحراك الفكرى والاجتماعى المعقدة التى تكوّن فرادة الحالة اليمنية. لأنها تكشف لك عن آليات الدمار التحتية التى انطوت عليها الخلافات داخل اليمن الجنوبى، ثم عملية الوحدة اليمينة عام 1994، أو بالأحرى انتصار القبلية السلفية الرجعية على الاشتراكية وأحلام التحرر المدنية التى كانت تتمثل فى الجنوب. وهى رواية تكتب إلى جانب هذه الخريطة التاريخية الاجتماعية العريضة ما جرى للثورة اليمنية إبان الربيع العربى، على ظهار ما جرى لحلم اليمن مع الثورة على مد أكثر من نصف قرن.
لكنها تكتب هذا كله من خلال سيرة بطلها «عمران» ومسيرته التكوينية بتحققاتها وخيباتها معا. وتستخدم فى هذه الكتابة التضافر السردى بين تقنية استخدام منشورات الراوى على حائطه فى «فيسبوك»، وتقنية البوح المباشر أو المناجيات التى يحكى فيها الراوى بضمير المتكلم كثيرا من سيرته، أو مسيرته مع نفسه ومع اليمن، لملاك الموت، علّه يساعده على توضيح ما جرى وفهمه. فإذا كان الحكى قد بدأ مع شهرزاد كأداة لتعليق الزمن ودرء عوادى الموت الغشوم، فإنه يتحول عند حبيب سرورى إلى وسيلة لفهم الحياة وعبثية الموت الثاوى فيها معا، وللبحث عن سر سيطرته على التفكير العربى وتمترسه فيه.
ويقدم الفصل الأول من الرواية الذى يبدأ ككثير من فصولها بمنشور على حائط الراوى فى «فيسبوك» أحد مفاتيح القراءة المهمة. لأن هذه المنشورات التى تتناثر على مد السرد تربطه بالفضاء الرقمى، والعالم الافتراضى الذى لعب دورا مهما فى الربيع العربى من ناحية، وأصبح ساحة من ساحات نضالاته المفتوحة من ناحية أخرى. فقد زود «فيسبوك» كل ما هو شخصى وحميم ببعد جمعى. ومكن الفرد من أن يتأمل ذاته وتواريخه ويعرض آراءه ومواقفه أمام الآخرين. وهو هنا يلعب هذا الدور، ويكشف لنا عن اشتباكات الحياة الشخصية لعمران بالحياة العامة لليمن، والتوازى بين ما دار له وما جرى لبلده الحبيب. وإن كانت الرواية تنتهى بالفراق بين الاثنين، وقد غرق اليمن فى مستنقع ظلام التأسلف والتخلف، بينما يسعى عمران فى نهايتها إلى النجاة بنفسه، والانطلاق إلى عالم الصين المغاير والواعد بمستقبل بديل. فالرواية رغم أنها معمورة بالذرى والخيبات التى عاشها الراوى على مد نصف قرن من حياته، فإنها فى مستوى من مستوياتها قصيدة عشق للوطن، لليمن، وعدن وجزيرة عمران. ويحرص هذا المنشور الافتتاحى على الربط بين ما جرى فى مرحلة الطفولة والصبا الذى عاشه الراوى فى حى الشيخ عثمان فى ستينيات القرن الماضى، وما يدور الآن بعد تخثر الربيع العربى وجناية الإسلامجية على الثورة اليمنية ووأدهم لها. فالأهزوجة التى كان يرددها الأطفال خلف مجذوب القرية «ماكينة الإضحاك» حسّانى، سرعان ما تتبدى لنا تحويراتها الحماسية فى مسيرات الجماهير الكادحة بعد وصول اليسار للسلطة فى جنوب اليمن، وتأسيس جمهوريته الديموقراطية الشعبية، ثم تتحول بعد أربعين سنة أخرى فى مظاهرات مجاذيب مسيرات أسلمة الربيع العربى «كلما زدنا شهيد/ صرنا ثوار من حديد»، إلى صرخات للاحتفال بثقافة الموت وإبادة الذات، بدلا من الغناء القديم للثورة والحرية. هذه التحولات الافتتاحية لأهزوجة الحسانى الفكاهية التى كان يرددها الأطفال بمرح وراءه، وتحولها إلى صرخات عدمية متشنجة لتمجيد ثقافة الانتحاريين، هى المدخل الملائم لتلك الرواية التى تكشف لنا كيف انزلق اليمن من عصر «الحلم بالاشتراكية العلمية»، إلى «عصر الفجاجة والظلامية وإبادة الذات». وبموازاة هذه الأزمنة الثلاثة بأهازيجها المختلفة، تقدم الرواية فضاءات جغرافية ثلاثة هى عدن، وباريس وصنعاء. وتربط فضاء الطفولة العدنى بمرحلة التكوين والتفتح على الحياة والحب والثورة وحلم الثورة الاشتراكية المفتوح، الذى يؤدى به إلى الحصول على بعثة للدراسة الجامعية فى فرنسا. وإن جذّرت فيه بدايات الانفصام الذى يتجذّر فى الرجل العربى بين الجنس والحب العذرى منذ بواكير الصبا. بين تجربة مدينة السيسبان و«فقش» عذريته. وبين الحب العذرى الصامت لفاتن الجميلة، الذى يربطه بقدسية طهرانية بعيدة المنال. بينما تربط فضاء باريس بالحب الحقيقى والنضج المعرفى الذى أجهز على تلك الانفصامات والتبسيطات الفكرية معا، فقد كانت النقلة لفرنسا بمثابة الانفجارة الكبرى «Big Bang»، التى تخلقت بعدها الحياة فى نظريات نشوء الكون. حيث غيرت الحياة فيها عمران إلى غير رجعة. فيها التقى بحب حياته «نجاة» زميلته الجميلة فى الجامعة، التى قادته إلى الخروج من تبسيطات سنوات عدن، إلى تعقيدات الحياة الغربية الحديثة وثرائها. ومع نجاة عاش تجربة يسارية مغايرة لتلك التى عاشها فى عدن، هى تجربة أعياد صحيفة «اللومانيتيه» السنوية التى تتحقق فيها كما يقول اسمها الإنسانية المنشودة. لكن هذه الحياة الجميلة سرعان ما اغتالتها تفجيرات السلفيين الإرهابية فى أثناء العشرية الجزائرية السوداء التى طال عنفها محطة مترو سان ميشيل فى باريس وماتت فيها نجاة. بعد فقدان نجاة وعدن معا، يعود عمران هذه المرة إلى صنعاء، حيث يكتشف ما جرى لأخته الطبيبة بنت ثورة الجنوب والحلم الاشتراكى من تحولات، وقد غرقت فى مستنقع من الشعوذات والأدعية. ويلتقى عندها بالداعية الإسلامية «أمة الرحمن» التى سنكتشف أنها ليست سوى «فاتن» حبه الطهرانى الأول، ابنة «سالم/ سوسلوف» الذى لمع نجمه الفكرى فى عدن بعد عودته من دراسته الماركسية بموسكو، وتعيينه رئيسا للمدرسة العليا للعلوم الماركسية، وإطلاق اسم سوسلوف عليه تيمنا بميخائيل سوسلوف مسؤول الدائرة الأيديولوجية فى الحزب الشيوعى السوفييتى وقتها. وقد تحولت فاتن/ هاوية/ أمة الرحمن، فلأسمائها الثلاثة دلالات على طبقات المعنى الثلاث التى تمثلها، إلى ألعوبة أو أداة فى حلبة صراع جبار بين قوى السلفيين وزعيمهم المنافق «الإمام الهمدانى» وقوى اليسار. وحينما تقيم علاقتها معه فى ما يدعونه ببروفات الفردوس المترع فى خيال المتأسلفين بحفلات الجنس، ندخل فى شبكة تناقضات الثورة والمتأسلفين معا. بالصورة التى تكشف لنا عن جنايتهم الفادحة على الثورة، وهم يقودون وقائع الثورة اليمنية إلى حتفها. وترصد لنا كيفية تدمير الإسلامجية وقوى التأسلف والظلام ثورة الربيع العربى فيه.

http://tahrirnews.com/chosen/أخبار-مصر/ابنة-سوسلوف-وكيف-دمر-الإسلامجية-أحل/

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

مقالة الأستاذة صباح الإرياني عن ابنة سوسلوف في صدى عدن

ثورة إنعتاق  أم ثورة رق؟ 
قراءة في رواية "ابنة سوسلوف" لحبيب عبد الرب سروري
صباح  الارياني

صحيفة : صدى عدَن

في صيف حار من عام 2014 تطل على المكتبات العربية "ابنة سوسلوف"  روائية المفكر والاديب اليمني الفرنسي "حبيب عبد الرب سروري" السابعة عن دار الساقي  بعد رائعته "تقرير الهدهد والتي اشعر برهبة كلما حاولت ان اقترب من قراءتها بشكل نقدي .ربما رهبة قصوى من الاقتراب من شخصية كشخصية ابي العلاء البطل الاساسي والاعلى اعلى العليين في الرواية العلمية التاريخية الرومانسية الخيالية الفلسفية .
لم هذا المدخل ؟
لأنه يقودني دوما ل"حبيب" صديقي الاقرب والذي يثيربداخلي دوما  فضول لا انساني فقط بل كوني علمي فلسفي , بكتاباته كما هوبالقدر نفسه بشخصيته بانسانيته بوجهه الشاب  وتقاطيعه التي لاتشيخ وشعره الابيض , بمقدمه من تلك الارض االعجيبة ارض الاساطير التي ذكرت مملكتها في ثنايا كتب الاديان السماوية الثلاث والتي ان ذكرت لشخص ما لايمت بصلة اليها يتملكه عجب عجاب وحيرة قصوى لغموض ذلك البلد ولغرابة كل مايقال عنه من أخبار وصفات 
بلد الارهاب
بلد القات
بلد النساء المحتجبات من اعلى الراس حتى اخمص القدم
بلد الديانتين الساميتين  اليهودية و الاسلامية بكل مللهما 
بلد ابن لاادن الاسم الذي اصبح اكثر شهرة من اسم البلد التي ترجع اليها اصوله


وبعد هي موطن الولادة  لحبيب عبد الرب  سروري والذي يتمنطق بحزام الكوكب الارضي ليحمله دوما الى هذا البلد  الذي فارقه يافعا الى موطنه الاخر الباهر فرنسا, لكنه لم يفارقه الا كمجاز لاغير فهو منغمس فيه بحوارية مدارية تحمله منه  لتعيده اليه في توق دائم ان يراه يرتع بحرية  ونهضة مناطق عديدة شاهدها من العالم الكبير.
حوارية ثنائية في حياة المفكر والكاتب الصديق "حبيب سروري" هي مايثير فضولي دوما تبدأ من ثنائية الخيال والارقام وتنتهي بثنائية الحياة والموت وهي الفكرة الاساسية في جل كتابات "حبيب سروري " والمنعكسة مباشرة في دواخل ابطال رواياته النفسية اذ تتراوحهم هذه الثنائية حتى في لغتهم الدائرة في حواراتهم مع انفسهم او مع بعضهم بداخل  رواية ما وفي انفعالاتهم الانسانية ومسيرتهم الحياتية ,وبعد هي حقيقة علمية ثابتة بين نقطة البداية والانطلاق وفاصل النهاية لذلك الواقع الذي يرسمه حبيب سروري ببراعة  .
وهذه هي رواية "ابنة سوسلوف "  لاتبعد عن تلك الثنائية  والتي تتمحور حول فكرة اساسية 
هي فكرة العلم والدين ولا انكر هنا ان هذه الفكرة ليست بجديدة في  كل كتابات الكاتب الخيالي منها والعلمي والثقافي بل هي همه الدائم في البحث عن مكمن الحقيقة وتدرجاتها بداءا من الخرافة والنصوص الدينية وانتهاءا بكل نتائج العلم والتي نعايشها يوميا في حياتنا اليومية وهي الكثير من التساؤلات العميقة التي يطرحها في جل كتاباته.
 "ابنة سوسلوف" هي قصة ولد وفتاة , رجل وامرأة ,مدينة وبلد.ومن خلال ذلك يضع حبيب سؤال اساسي غير بارز في النص لكنه كامن في كل عبارة من عبارات الرواية :
كيف يلتغي هذا العقل الانساني الجبار والذي وصل الى عنان السماء ليصبح الانسان اسير ظلامية لاعقلانية تشده نحو قاع رهيب من الدمار ولربما الجنون الخفي بانهيار البنية الذهنية للافراد الذين يستسلمون لمثل تلك الاوهام؟
هذا السؤال الهام اعتبره العتبة الهامة ليتسنى الدخول الى بناء نقدي هام في اية قراءة وهومايقود الى توصيفالشخصيات الرئيسية للعمل الادبي وللحق فلوصف حبيب لشخصيات روايته سطوع لاينفع حتى اغماض العين عنه للتخفيف من ذلك السطوع لعمق الوصف السردي الذي يعشي البصر ربما لكنه ينير البصيرة. 
ابطال الرواية عمران وـ فاتن "هاوية "أمة الرحمن ـ ومعهم عزرائيل 
ابطال رواية "ابنة سوسلوف " اذكياء وذوي مقدرة يختلفون في استخداماتها مابين الحقيقتين الخالدتين العلم ,والدين ,او الشك ,واليقين . لكل شخصية قدرتها المنطقية الجبارة والتي تحول الحقيقة من حالة النفي الى نفي النفي  لتاكيد الاثبات وهو مايتبعه بطلي الرواية الاساسيين "عمران" و"هاوية" .
للحق ان الروائي "حبيب سروري" سريالي النزعة وهو الملحوظ في خلطته اللغوية  الابداعية  بين  ثنائياته الفلسفية الرياضية " السرد والمعادلة الرقمية", "الرمز والواقع" " التاريخ العلمي والميثلوجيا", "الوجود والعدم",وبكثافة حسية ملموسة "الحياة والموت".
خليط من كل ماسبق من المفاهيم يصيغها بألوان تتعدد بين طيوفها والوانها القاعدية والوانها المستحدثة واساسياتها وهوامشها لنبحر فيها بسلاسة لغوية ما ان يبداء القارئ باول لفظ منها حتى يجد نفسه قد استفاق من غيبوبة لذيذة في نهاية العمل متقمصا كل الشخوص التي صنعت هذا المركب السريالي.
الشخصيتان الرئيسيتان في رواية "ابنة سوسلوف"  عمران وهاوية لايبعدا عن ذلك  التصويرعلى الاطلاق فمن اسميهما شرح عيني لمشاهد اللوحة الدرامية.
 فحين يفشل العمران وهو التسمية الخلدونية لتنامي المجتمعات وتطوراتها في دورانها الزمني حين يفشل ذلك العمران فلا سواها, الهاوية التي ينهار في لجة ظلماتها البشر فتتهاوى الحياة من حولهم باستتاب كافة المعيقات للنمو .
لايمكن تجاهل  الروح الشمولية بداخل الروائي "حبيب سروري "وهو يكتب روايته "ابنة سوسلوف" واعني هنا بالشمولية المعني اللغوي التضمن والاحتواء و المعنى العلمي بمعنى ان ظواهر العلم تنطبق على كل حقائق نتائجه,  وحتى شموليته في استخدام الاستقراء النفسي والتحليل الخفي لحالات اللاتوازن المرضية  في الصفات الباطنية لبطلي الرواية الا انهما بذكائهما ومقدرتهما كل في مجال فكرته التي تبناها تجعل القارئ يظن انها شخصيات سوية تعكس دراما متحركة بداخل تجمع ما. وبالطبع فهذه الشمولية تنبع من وسع معرفة الروائي المتمكن في مجاله.
عمران بطل الرواية وفق هذا المبدأء الثنائي المعرفي هو جسد وعقل وبالمثل هاوية وللجسد علاته التي يمكن او لايمكن مداواتها وبالمثل العقل .
اللقاء الاول بين الشخصيتين لقاء عقلي بين شرق وغرب, حقيقة ووهم. لكنه حين تعدى العقل تحول الى علاقة جسدية حسية بحته خضع لها العقل في مرحلة بحث تائه ربما كانت هاوية اكثر عقلانية ودراية برغباتها ودوافعها اكثر من عمران الذي سقط في هاوية عميقة بعد مشاهدته لجسد زوجته يتناثر اشلاء لم يعرف منه سوى الاجزاء التي التصقت باقلام رصاص ثبتت ضد الرصاص الذي نخل مسامات جسدها الذي حمل في في احشائه بداية اخرى لحياة جديدة .فقد عمران حياتين بفقدانه ل "نجاة" زوجته التي ضاعت وابنة في احشائها ,فقد عمران زوجته وابنته في تفجير عشوائي لاذنب لمن ذهبوا فيه سوى جنون واختلال عقل مريض .
التقى عمران بعصبون خلوي من عصبونات العقل المريض "هاوية" ولأنها الداء الذي دمر حياته اعتقد ان بها سيكون الدواء الذي سيحييه في حربه الروحية ضد الموت الذي يصاحبه منذ ذكريات عمره المبكر في غنائيات تتخذ في كل فترة كلمات اخرى لنفس النغم "الموت والفناء"
عمران يقطع التاريخ روحة وايابا في رحلة بين الغرب العلمي والشرق الديني  رحلةإلى وحدة جسدية"جنسية" خرساء.
تشهد رحلته بين العالمين الغرب العلماني وهو يعود لحضارته الرومانية واليونانية ليجددها ويشعل فيها ما يتقد له عقله البشري الضخم من العلوم والابتكارات
 والشرق الديني الذي يباهي يصولاته الحربية وبنهضته القرنوسطية والتي لم تكن سوى نقل واحياء صامت لما قدمته الحضارات السابقة يوقد تلك الصولات بعلوم نقلية وفلسفة ميتافيزيقية غيبية تعلن حربها ضد كل العالم المتعلم الملحد وان استفادت من ابتكاراته واجهزته واسلحته لتعود الى زمن" قندهاري"وقندهار مدينة في افغانستان  والتي بها ومنها بدأ تدريب  الفصائل البشرية  بجهنمية غبية على الموت الاخرق وقتل الانسان بالانسان.
يتقد عمران الحي الميت في شهوته لهاوية الموت ومدبرته التي تختال بجسد أرضي دنيوي ,لايستطيع الافصاح عن توقة لحرية عميقة في خلاياه وعصبوناته الا بالممارسة الجنسيةمع حلم طفولتها لكنها حرية تتخذ ثنائية انتقامية لتاريخ حياتي طويل مر بين مراحل تاريخية سياسية اجتماعية عانت هي منها وعانى منها مجتمعها وعائلتها ليتشظى كل ما بداخلها وتتحول حريتها الى عبودية استسلامية تسخر ذكائها فيها لخدمة من الهته بهواها بذهنية مطموسة المعرفة كما هي في غيبوبة مدركة .
عمران وهاوية بطلي الرواية يصاحبهما الموت معا الى هاوية مرضية عميقة القرار عمران بهادم الملذات الذي يرافقه كظله متخيل غير مرأي ابتدأصحبة عمران حين اختطف زوجته نجاة وابنته الواعدة ,يتحرك هذا الظل في اطر اسماء عديدة هو عزرائيل وهادم اللذات ومفرق الجماعات وهو قابض الارواح وهوملاك الموت وهو خاطف الارواح وناهب الارواح وفي النهاية ماهو الا مكون واحد لمرض عصابي نفسي تلبس عمران بعد تشظي جسد زوجته الى اشلاء هوالرعب من الموت المجسد في نفس عمران  حتى وهو يرحل الى ارض الثورات يزامنه برفقته يقتل الحلم والامل الذي تشكل بالتدريج في ذهن عمران بانطلاق ثورات الربيع العربي التي بدورها تحولت الي "فصام اجتماعي بين النماء والهدم او العمران والهاوية كما سبق القول. ينجو  عمران في الخاتمة حين يحكم العقل ويتوجه نحو بنى حضارية ثنائية المنشاء هي حضارة "الين واليانج"  الصينية والتي تجعل من القوة التعاقبية للطاقة الانثوية والذكرية في الكون سلبا وايجابا الدورة الفعلية لحياة الكون وتشكله .
الحضارة الصينية اعادت لعمران صحته النفسية وواقعيته المدركة حين نفذ من صحبة ملاك الموت له الى عمق حضارتها واخلاقياتها الاجتماعية والتي لم تبن  على هيمنة فضائل دينية غيبية المنشاء تزرع في الاذهان البشرية بقسرية غيبية تنذر بعقاب وثواب بل بنيت على حكمة مفكرين من البشرطرحوها للناس كفضائل تنبع من داخل الانسان نفسه.
 لكن "فاتن او امة الرحمن او كما اسماها عمران هاوية تظل في القاع تشهد تصاعد نجمها الشخصي بداخل جماعات تعمل على اهدار انسانيتها وخراب مجتمعها ودماره. وهي المجتمعات العربية التي سلمت واستسلمت لحقب طويلة من الزمن لدكتاتورية حاكمة لاهم لها سوى النعيم على اشلاء الفضيلة الانسانية و وهاهي بالمثل تسلم ثوراتها لنفس القوى الظلامية التي هيمنت طويلا وبنفس النفس الاستسلامي والذي لم يخرج فعليا من قاع الهاوية المظلم.
لم تنج فاتن ولن تنجو وثورتها ماهي الا نقاب وضعته وتخلت عنه في العلن لتبدله بعدة "نقب" حسب المواقف والحالات وهي لو أصبحت امة للرحمن ففماهي الا في قعر هاويةعبودية .
هذه هي الشخوص الرئيسية التي حركها الروائي حبيب سروري في خضم دراميته السريالية تظهر بينها شخصيات هنا وهناك  لزمن وتطفو ثم تغوص سلبا او ايجابا بين ما آل اليه الظرف المروي.
للزمن ثنائيته في رواية "ابنة سوسلوف" فهو يتحرك بين زمن واقعي باحداث تاريخية شكلت حقائق ووقائع يعرفها القارئ لتاريخ اليمن في الفترة المعاصرة والحديثة في الفية الربيع العربي ,لكنه ايضا مرادف للزمن الافتراضي الذي يتحرك شخوصه داخل عالم الأنترنت او عالم الفيسبوك المجتمع الافتراضي حر في حركته فهو قد يتنقل من الماضي الى الحاضر وربما المستقبل , ومن خلاله يمكن للفرد تحقيق جولات وهمية وبطولات وانتصارات لفظية. 
 يتحرك افراد هذا الزمن في دقائقه دون فارق بين تعاقب فلكي وباسماء حقيقية او وهمية او تعبيرية لايهم فهو وسيلة لنقل المعلومة دون تمحيص صحتها او عدمه نقل الخبر بعث تحايا الحياة اليومية وطقوسها التي لاتعني الا زمن من يعيشها فقط ولحظته التي كتب فيها الخبر وارسله .كيف يتجاوب الناس مع زمن هذا المجتمع الافتراضي لايهم!الكل يعيش الجولة خارج الزمن وبانتظار جولة اخرى خارج الزمن أيضا والى ان تظهر حقائق الفيس بوك كوقائع تكون الجولات قد دارت في ذلك الزمن الافتراضي ولم يعد لظهور الحقيقة اي معنى .
.وهكذا فعل عمران في الرواية فهو يخرج عن جدله العقيم مع هاوية في سرير عشقهما ليحاول اظهار الحقيقة لها على صفحات الزمن الافتراضي "الفيسبوك" لكنها تلعب نفس لعبته محركة لدمى عديدة.في حين يفتقد هو للفضاء الواسع الذي يتحرك فيه وبالتالي فقد نفر من كل ذلك لينجو الى حكمته الصينية التي انقذته.
طلق عمران في النهاية كل عالم ابنة سوسلوف  واصبح بعيدا خارج زمنها الفعلي والافتراضي معا. 
شفي من عشقها وشفي من عبوديتها وشفي من دفن حريته الفكرية في علاقة جسدية خرساء لاحوار فيها الا للاعضاء البشرية تخلص من عصابه ان يفقد تلك اللحظات التي قضاها مع هاوية وان كان مازال يامل ان هناك مارد ثائر لابد سيبزغ من ظلمة الهاوية يوم ما وما زلنا في اليمن وفي كل مجتمعاتنا العربية ننتظر ذلك المارد  ربما سليل عمران من محبوبته القادمة من حضارة كونفيشيوس والين واليانج الصينية.
من تعليقاتي في الفيس بوك:
الديمقراطية هي الفرضية الغائبة لافي اليمن فقط بل في في جل مجتمعات الربيع العربي  والتي لم تتجاوز بعد ظروفها السابقة وليس من السهل تجاوزها في فترة قصيرة ,اذ تحتاج لتجاوزها الى تغيير جيني في المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية بحيث يصبح من البديهيات ان يرتبط بناء الدولة بالديمقراطية .لست مع القائل ان المكونات الاجتماعية والسياسية كالقبلية والمذهبية والمفاهيم الحزبية السابقة لايجب ان تتفكك لتحقق ثنائية بناء الدولة والديمقراطية . بل يجب تفككها واحلال بنى جديدة , ولن يكون ذلك بطفرة سريعة او بقرارات تاتي من اعلى البنية الاجتماعية بل يجب ان تتغير قيم ومفاهيم المكونات الاجتماعية الاساسية لتتمكن القمة الهرمية من العمل بفرضياتها الاصلاحية المطروحة.
صباح الارياني


مقالة الأستاذ بيار شلهوب عن ابنة سوسلوف في البيان الخليجية


http://www.albayan.ae/books/from-arab-library/2014-09-05-1.2195655

« ابنة سوسلوف » : لحظات مؤثرة في تاريخ عدن

،بيار شلهوب

صحيفة البيان الخليجية

يخوض البروفسير حبيب سروري في روايته الصادرة حديثاً عن دار الساقي في بيروت، تحت عنوان «ابنة سوسلوف» في المحرم، لتحكي واقع اليمن المعاصر وتاريخ عدن وهي تتحوّل إلى مدينة مقهورة منقّبة، بعد أن كان لها الساحات التي كانت مُعتركاً للنضال الثوري، بددتها مشاحنات الظلاميين الذين حوّلوا ربيع عدن إلى جهنم مفتوحة على صنوف من القهر والتنكيل والقتل والإبادات الجماعية.
من اسم الجنة نصيب. ويسهب المؤلف في اقتناص اللحظات الاكثر توهجاً وتأثيراً في حياة شخوصه وتتبع مصائرهم. عبر تعريتهم وفضح ملابسات حياتهم التي تعكس جانباً من الأزمة السياسية والاجتماعية التي تشهدها عدن.
تبدأ الرواية بمشهد بانورامي، يستعيد من خلاله بطلها الرئيسي «عمران» لمحات خاطفة من سيرة طفولته، عبر تلك الإضاءات الباهرة، وينتقل بالقارئ إلى مدارج الطفولة والمراهقة، ويتذكر تردده على «دكان الأعمى» وانتظاره «فاتن» ابنة سالم القيادي الشيوعي البارز الذي كان يُطلق عليه لقب «سوسلوف الحزب»، نسبة إلى ميخائيل سوسلوف مسؤول الدائرة الإيديولوجية في الحزب الشيوعي السوفييتي حينها، وهي الفتاة التي ستقاسمه أحداث الرواية لاحقاً ويسميها «هاوية»، قبل أن تتخذ لنفسها اسم أمة الرحمن.
تأسر «هاوية» قلبه، دون أن يدرك أن علاقة حب عارمة ستربطه بها لاحقاً، وتحديداً بعد عودته من باريس التي قصدها ليكمل دراسته الجامعية فيها. وفاجعة فقدانه زوجته التي تعرف إليها هناك في انفجار نفذه سلفيون إرهابيون.
علاقته بـ«هاوية» تعكس جانباً من التناقضات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها اليمن آنذاك، تهرب من «اليمن التقدمي» إلى «اليمن الرجعي»، بعد الحرب المدمرة عام 1986، والتي انتهت بانفصال اليمن، منتفضة على والديها الغارقين في مشاكلهما والمنقسمين على بعضهما بعضاً.
التبدلات اللاحقة انسحبت على مستويات العيش كلها، لم يعد ثمة شيء قائم على حاله. «هاوية» التي انحرفت من أقصى التحرر والانفتاح إلى أقصى التزمت والانغلاق، اتخذت لنفسها اسم «أمة الرحمن»، وكأنها بذلك تريد أن يكون التغيير كيانياً في الشكل والمضمون، لتبدأ بعد ذلك رحلة اختارت ميدانها ساحات الجهاد لتبث أفكارها الصادمة والمنسجمة مع ترهات الأصوليين وأساليبهم التدميرية.
في موازاة نشاطها الجهادي القائم على الدعوة إلى بث تلك الأفكار المسممة، والتي تعيد البلاد سنوات إلى الوراء، إلى زمن القبيلة والعشيرة والفتاوى الغريبة والمدمرة، تسير حياتها الشخصية في الظل، فترتسم لحظات العشق المحرم من خلال علاقة تجمعها بوالد زوجها، القيادي والداعية الإسلامي الذي لم يكف عن إشهار الدعوة إلى العنف، باعتبارها أسلوباً، يختزن قدراً من النجاعة، وينطوي على حلول تنسجم في رأيه مع أصول الدين.
الالتباس الذي يحيق بشخصية أمة الرحمن جزء من كينونة المجتمع العدني القائم على مجموعة من التناقضات الهائلة، وهذا ما تفسره طبيعة حياتها المرتبكة. تعيش علاقة حب عامرة مع عمران، ربيب طفولتها، وهو العلماني، التحرري الذي آمن بربيع عدن وأمل بالتغيير، لكن الوقائع خيبت ظنه، وعرف نكوصاً باتجاهات، لا يمكنه أن يقدر مدى الهوة التي ستبلغها.
المؤلف في سطور
حبيب عبدالرب سروري كاتب وروائي يمني، بروفيسور في علم الكومبيوتر في قسم هندسة الرياضيات التطبيقية في فرنسا، له رواية «أروى» و«لا إمام سوى العقل».