الروائي حبيب سروري
مقال الأستاذ حسن داؤود في صحيفة « المدن » اللبنانية عن ابنة سوسلوف
لأوّل وهلة، يوهم عنوان الرواية "إبنة سوسلوف" بأنّنا أمام سيرة متأخّرة، عربية هذه المرّة، لابنة منظّر الإشتراكية
السوفياتي الشهير. لكننا سريعا ما ندرك أنّنا بإزاء سوسلوف يمني، من زمن إشتراكيي اليمن الجنوبي، إذ كان صاحبنا هذا يؤدّي في حزبه الدور ذاته الذي كان يؤدّيه "سميّه" الأصلي في الإشتراكية الدولية. سوسلوف اليمني، بل العدني، لم يثابر على عقيدته تلك إذ أدركه التغيّر العاصف بكل شيء، في بلده كما في ما يشبهه من البلدان، فتحوّل في منتصف الرواية، أو إلى منتصف السيرة السياسية لـ"عمران" المنتقل للعيش في باريس، داعيّة يحرّم ما يحرّمه كلّ من مشايخ السلفية.
أما ابنته، وذلك في عودة إلى عنوان الرواية، فكانت تلك الفتاة الجميلة الصامتة، التي ترسل لعمران الفتى نظراتها المتأمّلة الثاقبة، لكن من دون أن ترفقها بكلمة واحدة. كان ذلك في عدن، أيام كانت "أحد أهمّ مدن العالم... وحضنا لكلّ الهاربين من أوجاع الحياة". كان اليمن الجنوبي، بعد إنقلاب 22 يونيو 1969، يعيش منعّماً في عصر الطفولة الثورية، حيث كانت الفتيات يرفلن بالتنانير القصيرة ويتزيّن كما يحلو لهنّ. كان الجنوب مختلفاً عن الشمال في اطّراحه المحرّمات الموروثة والإنصراف عن أثقال الدين. لكن الأمور راحت تتغيّر منذ أن بدأ الرفاق ولوج الثمانينات من القرن العشرين، مستعدين لدخول "عصر النضوج والرسوخ الثوري".
-وماذا يعني ذلك؟ سأل أحد الرفاق
أما ابنته، وذلك في عودة إلى عنوان الرواية، فكانت تلك الفتاة الجميلة الصامتة، التي ترسل لعمران الفتى نظراتها المتأمّلة الثاقبة، لكن من دون أن ترفقها بكلمة واحدة. كان ذلك في عدن، أيام كانت "أحد أهمّ مدن العالم... وحضنا لكلّ الهاربين من أوجاع الحياة". كان اليمن الجنوبي، بعد إنقلاب 22 يونيو 1969، يعيش منعّماً في عصر الطفولة الثورية، حيث كانت الفتيات يرفلن بالتنانير القصيرة ويتزيّن كما يحلو لهنّ. كان الجنوب مختلفاً عن الشمال في اطّراحه المحرّمات الموروثة والإنصراف عن أثقال الدين. لكن الأمور راحت تتغيّر منذ أن بدأ الرفاق ولوج الثمانينات من القرن العشرين، مستعدين لدخول "عصر النضوج والرسوخ الثوري".
-وماذا يعني ذلك؟ سأل أحد الرفاق
-صار نموذجنا السياسي الرفاق السوفيات. تصل الآن كلّ المشاريع والأدبيات والوثائق والقرارات والتوصيات جاهزة من عندهم.
ثم ما لبث النزاع الداخلي في "اليمن الديموقراطي" أن أشعل حرباً قضى فيها 13 ألف قتيل. ثم بعد ذلك بأربع سنوات أعيد اليمن إلى وحدته و"اجتاح الجنوب تحالف قوى سلفية وقبلية وعسكري وجهادية". ليُنهَب عن بكرة أبيه، "فألغي التعليم المختلط، وعمّم الحجاب وانتشرالنقاب، وصار يُجلد في وسط الشارع من يشرب الخمر من البسطاء".
وها هي ابنة سوسلوف تعود إلى الرواية بعد غياب طويل عن حياة عمران. كان قد فاقت أباها تغيّراً فصارت داعية إسلامية مقيمة في صنعاء التي انتقلت إليها أحداث نصف الرواية الثاني. لم تفقد شيئا من فتنتها ورشاقة جسمها تحت الأحجبة التي تغطّيه، وها هو عامر يبدأ علاقة معها حميمة وعنيفة على رغم بقائها الداعية الأكثر شهرة في اليمن كلّه. ولا يدلّ ذلك عل فساد عقيدتها قدر ما تدلّ علاقتها بوالد زوجها الذي هو، ودائما كما في الرواية، قائد سلفيّي اليمن. ولم يستطع حبّ عمران الجارف لها أن يثنيها عن أيّ شيء مما هي فيه، فيهجرها مغادراً اليمن كله، بل كلّ العالم العربي الذي رافقت الرواية أحداث ربيعه، واجداً ضالّته بالفلسفة الصينية الهادئة، والفاعلة من دون ضجيج.
"إبنة سوسلوف"، الرواية، عبرت المراحل السياسية كلّها لتاريخ اليمن الحديث، كما توقّفت عند البلدان العربية التي اندلع فيها ما سمّي بثورات العالم العربي. دائماً، عند مطلع كلّ تغيير، كان ينهض الأمل، النائم أو الميت، من جديد، مرجعاً الآمل عن يأسه وسابق يقينه أن لا شيء مفرحاً يمكن أن تأتي به هذه الأمة. في التقلّبات التي جرت على اليمن لم يكن الأمل ليعمّر طويلاً. لا أسرع من أن يمسي ما كان مدعاة للحماسة إلى مدعاة لليأس حينا وللسخرية حينا آخر. فأولئك الإشتراكيون في اليمن الجنوبي بدوا قاصرين عن أيّ رصانة حين، مثلاً، أدخلوا إلى الهوية الشخصية الإنتماء الطبقي ودرجاته التي، ليستطاع تعيينها، أمكن للرواية أن تكتب سطورها الأكثر فكاهة. ذلك بخلاف الإنجازات اللاحقة للعقل السلفي التي تلخّصها محاضرة في "يوتيوب" لرئيس جامعة الإيمان في اليمن الذي استدعاه ثوّار ساحة التغيير ليمنحهم براءة اختراع يعرض فيها شريطاً "يحوي أصوات الملايين وهي تصرخ أثناء عذاب القبر، ويمكن تمييز أصوات النساء فيه عن أصوات الرجال".
*"إبنة سوسلوف" رواية حبيب عبد الرب سروري، صادرة عن دار الساقي 2014
ثم ما لبث النزاع الداخلي في "اليمن الديموقراطي" أن أشعل حرباً قضى فيها 13 ألف قتيل. ثم بعد ذلك بأربع سنوات أعيد اليمن إلى وحدته و"اجتاح الجنوب تحالف قوى سلفية وقبلية وعسكري وجهادية". ليُنهَب عن بكرة أبيه، "فألغي التعليم المختلط، وعمّم الحجاب وانتشرالنقاب، وصار يُجلد في وسط الشارع من يشرب الخمر من البسطاء".
وها هي ابنة سوسلوف تعود إلى الرواية بعد غياب طويل عن حياة عمران. كان قد فاقت أباها تغيّراً فصارت داعية إسلامية مقيمة في صنعاء التي انتقلت إليها أحداث نصف الرواية الثاني. لم تفقد شيئا من فتنتها ورشاقة جسمها تحت الأحجبة التي تغطّيه، وها هو عامر يبدأ علاقة معها حميمة وعنيفة على رغم بقائها الداعية الأكثر شهرة في اليمن كلّه. ولا يدلّ ذلك عل فساد عقيدتها قدر ما تدلّ علاقتها بوالد زوجها الذي هو، ودائما كما في الرواية، قائد سلفيّي اليمن. ولم يستطع حبّ عمران الجارف لها أن يثنيها عن أيّ شيء مما هي فيه، فيهجرها مغادراً اليمن كله، بل كلّ العالم العربي الذي رافقت الرواية أحداث ربيعه، واجداً ضالّته بالفلسفة الصينية الهادئة، والفاعلة من دون ضجيج.
"إبنة سوسلوف"، الرواية، عبرت المراحل السياسية كلّها لتاريخ اليمن الحديث، كما توقّفت عند البلدان العربية التي اندلع فيها ما سمّي بثورات العالم العربي. دائماً، عند مطلع كلّ تغيير، كان ينهض الأمل، النائم أو الميت، من جديد، مرجعاً الآمل عن يأسه وسابق يقينه أن لا شيء مفرحاً يمكن أن تأتي به هذه الأمة. في التقلّبات التي جرت على اليمن لم يكن الأمل ليعمّر طويلاً. لا أسرع من أن يمسي ما كان مدعاة للحماسة إلى مدعاة لليأس حينا وللسخرية حينا آخر. فأولئك الإشتراكيون في اليمن الجنوبي بدوا قاصرين عن أيّ رصانة حين، مثلاً، أدخلوا إلى الهوية الشخصية الإنتماء الطبقي ودرجاته التي، ليستطاع تعيينها، أمكن للرواية أن تكتب سطورها الأكثر فكاهة. ذلك بخلاف الإنجازات اللاحقة للعقل السلفي التي تلخّصها محاضرة في "يوتيوب" لرئيس جامعة الإيمان في اليمن الذي استدعاه ثوّار ساحة التغيير ليمنحهم براءة اختراع يعرض فيها شريطاً "يحوي أصوات الملايين وهي تصرخ أثناء عذاب القبر، ويمكن تمييز أصوات النساء فيه عن أصوات الرجال".
*"إبنة سوسلوف" رواية حبيب عبد الرب سروري، صادرة عن دار الساقي 2014