أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 مارس 2009

فصل من «كتاب اليوميات»: قطط شارعنا

((يوميات أكتبها بين الحين والحين، تشتبك فيها اليمن بفرنسا، الشرق بالغرب... هذا الفصل له علاقة بما حدث لي الجمعة 29 مارس 2007))



فصل من «كتاب اليوميات»

عليّ أن أعترف: لم يسعفني الحظ بحياةٍ خاليةٍ من الإشكالات مع القطط! بدأ ذلك مع قطط طفولتي التي كانت «عفجة» بسبب شراسةِ وعنفِ وعدوانيةِ بعض أطفال شارعنا. لاسيما الشيطان الصغير: فتوان فارس سيف الذي حوّل كل «بِسَس» «قسم ألف» في الشيخ عثمان عوراً أو عرجاً. قضّى حياته يجري خلفها، يتلذَّذُ بِرميها بحجارة يختارُها بعناية. كان لسوءِ الحظ سريع الجري، يسبقُها في الغالب...
كان أكثر ذكاءً من البِسس، في كلِّ الأحوال: يعرف كيف يختصرُ الطريق أثناء مطاردته لها وسط شوارع قسم ألف، لِيجدَ نفسَه أمامها مباشرة: يدخل مثلاً أحد أبواب «دكان العريقي» في ركن شارعنا، يقطعُ الدكان في خطٍّ مائل ويخرج من الباب الثاني مباشرة، فيما تجد البسَّةُ نفسها مضطرةً الالتفافَ حول الدكان لأنها لم تتعلّم أن الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين (في الهندسة الإقليديسية فقط)...
باختصار، تحوّل ركن شارعنا إلى مذبحةٍ للقطط بسبب ابن فارس سيف، سامحَه الله، أو لا غفرَ له على الأرجح!...

ثمّ عندما كبر فتوان وبدأ يشاهد أفلام «الكاوبويز» (رعاة البقر)، استخدم طُرقاً ملتوية لإبادة قطط شارعنا المسكينة التي هربت من حربه العدوانية الشعواء لتحيا فوق سقوف المنازل: كان يخفي كيسَي حجارة في طرفي خاصرته كأنهما مسدسي رعاة البقر. يستقيم وسط الشارع في المساء. «يفلخ» رجليه قليلاً واضعاً راحتي يديه على مسدسيه في طرفي الخاصرة بانتظار أن يرمق قِطّاً مارقاً يسير فوق حافات سقوف بيوت الشيخ عثمان (المرصوصة في صفَّين متوازيين). كان فتوان يحترمُ قواعد مبارزات الموت في أفلام «الويستيرن»، لا يغشُّ أبدا أثناء ذلك: يديرُ ظهره للقطط وهي تعبر سقوف أحد الصفين، متابعاً بنظراتٍ حدسيّةٍ ثاقبة حركةَ ظلالها الشبحيّة فوق منازل الصف المقابل. ينتظر لحظة الصفر... تعبر في رأسه موسيقى لحظات ما قبل الموت في مبارزات فيلم الويستيرن الشهير «الطيب، الشرير، والحقير»!...
ثمّ يستلُّ حينها حجرةً غليظة من خاصرته بحركةٍ مهنيّةٍ خاطفة، يستدير 180 درجة بسرعة الخذروف، بِنفس مهارةِ أبطال أفلام رعاة البقر، ليواجهَ قطّاً مبهوتاً اعتقد بِجدّ أنه وجد في سقوف شارعنا المسكين ملاذاً يتسكَّعُ فيه بأمان بعيداً عن حجارة سفّاحِهِ الأهوج الصغير...

مثلُ قطط اليمن، لم يسعفني الحظ مع قطط فرنسا أيضاً! رغم أن هذه القطط (التي تولد في مناخات غير عدائية، وسط عائلات تُدلِّلها كثيراً بطريقة مبالغة فيها أو مثيرة للسخرية أحياناً!) مدانةٌ بأن تكون رقيقةً غنجةً ناعمة!... رغم كلِّ ذلك، كان حظّي تعيسٌ معها هي الأخرى...

أوّلُ قطٍّ صغيرٍ عاش في بيتنا (في منتصف الثمانينات) كان يعاني من مشاكل نفسية لأن والدته وبقية أخوته توفوا أمامه في الطفولة، بعد ولادته بقليل، في حادث مروريٍّ مؤسف... اضطررت أن أنقله بنفسي (رغم عدم لطفه، أو بالأحرى عبوسه ووحشيّته) للطبيب النفسي الخاص بالقطط!... لم يكن التعايش سهلاً مع ذلك القط الذي تحوّل سريعاً إلى «عُرِّي» جلف (أسميتُهُ: باخش) ينتقمُ من قساوة الحياةِ (التي حرمتْهُ من والدتِهِ منذ نعومة مخالبه) بِخدشِ وتمزيق «الأوراق المنقوشة» الورديّة التي كانت تُغلِّفُ جدران صالون منزلنا. بسببهِ تحوَّلت تلك الأوراق الثمينة، التي بذلَتْ زوجتي وقتاً طويلا لاختيارها، إلى لوحةِ شخاطيط سيريالية عميقةٍ باهرة...
كنتُ أودُّ في الحقيقة أن أعيش بفضل معاشرة باخش دورةً تدريبيةً تسمحُ لي بالتصالح مع القطط! ما حدثَ كان العكس: أصبتُ بالإحباط تماماً وازددت ثقة أنه لا حظّ لي مع قطط المعمورة أينما كان مسقط رأسها... ثمَّ مارستُ القطيعة، أو التعايش السلمي في أفضل الحالات، مع كل القطط التي عاشت في بيتنا بعد باخش: لم أتجرأ تدليلها، ولم أطلب بالمقابل أن تداعبني بين الحين والحين. منعتُها من دخول مكتبي على الدوام. لكني كنتُ أقلق حال شعوري بجوعها. أملأ صحونَ أكلِها بانتظام إذا كنت آخر من يغادر المنزل في الصباح. وأعود أحيانا من مكتبي في الجامعة إلى مطبخِ البيت، خصيصاً من أجلها، إذا خطر ببالي أن صحنها في المطبخ فارغٌ لسببٍ أو لآخر... أتذكَّرُ حينها، بكلِّ أسى وفي كلِّ مرة، قططَ اليمن التعيسة التي لم تعد تستطيع أن تسدَّ رمقها من مخلفات المطاعم والمنازل، لأن جياع يمنِ اليوم (الذين ازداد عددهم بشكلٍ خياليٍّ يثيرُ غيضي وأحزاني وأوجاعي الدائمة) يقفون بالمرصاد أمامها، يسبقونها دائما بالاستيلاء على فتات المطاعم وزبالات المنازل...

أتذكَّرُ فقط قطةً واحدةً رائعة عاشت معنا أشهرا قليلة في عام 2005، أسميناها «أكيزا» (اسم زوجة توت عنخ آمون). كانت مهذّبةً، راقيةً، لطيفةً، ذكيّةً كما يلزم... لكنها اختفت يوماً بصورة مفاجئة، في أوّل أيام الربيع التي تُسمى هنا «موسم عشق القطط» لأن دفء الجو وازدهار حدائق المنازل يجعل القطط تخرج كثيراً للشوارع، يزيد من معاشرتها وشهوتها ورغبتها الغريزية بممارسة الحب والحفاظ على نوعها البيولوجي من الاندثار...
كانت رائعةً أكيزا، احترمها وتحترمني كثيراً. أتوقع أنها تعيش الآن حياةً سعيدةً في حيٍّ مجاور، وأن كلَّ «عراري» المنازل المتاخمة لمنزلها الجديد تموتُ عشقاً وإعجاباً بها... شخصيّاً، لو وُلِدتُ قطّاً لقضَّيتُ حياتي وَلَهاً بها وتتيُّماً وعشقاً، ولتفانيْتُ في حبِّها مدى العمر...

بعد مغادرة أكيزا المنزل، أصرَّتْ ابنتي الصغيرة عمبرين على أن تكون لنا قطةٌ أخرى في البيت! بعد رفضٍ طويلٍ من قبلي، ثم «لتت» ومماطلة، وافقتُ... أخذنا قطة أسميناها: «كاديكوي» (إسم أحد أجمل الموانئ التي أحببناها في إسطنبول من أول نظرة)... غير أني لم أحب كاديكوي، من أول نظرة أيضاً، لأنها تخلو كليّةً من أناقةِ وسموِّ أكيزا، وسلوكِها المهذّب!..

أول إنجابٍ لكاديكوي لم يمر سهلاً. أنجبَتْ طفلين، أسمتهم عمبرين «دولتشي وجافانا» (اسم ماركة الملابس الإيطالية الإرستقراطية الشهيرة). ولدا في منتصف ليل الأول من إبريل 2006، في وسط صالون المنزل، في جوٍّ حميميٍّ متميّز. أطفأت عمبرين ضوء الصالون كي تمر هذه اللحظة التاريخية بخشوعٍ وجلالٍ ورقّة... لم ينم كل أصدقاء عمبرين مبكرين كعادتهم تلك الليلة. كانوا يتابعون من بيوتهم بشكلٍ مباشر، عبر كاميرا «الام اس ان» (برمجية دردشات على انترنت)، تطورات الولادة ثانيةً ثانية، صوتاً وصورة. حملَتْ عمبرين الشموعَ للصالون أثناء إدخالها كاميرا «الام اس ان»، لئلا تجهر القطط وتعكِّر لحظة المخاض!...
يبدو أن كاديكوي تألمتْ قليلا غداة الإنجاب. كنا حينها (زوجتي وأنا) في طرفي مسيرة جماهيرية ضد أحد قوانين حكومة اليمين الفرنسي. اتصلت عمبرين بكل منا بالتلفون قائلةً إن هناك أمر مهم للغاية في البيت!... خرجنا بقلق من وسط المسيرة متجهين نحو البيت بسرعة هائلة... قالت لنا عمبرين «ثمّة كارثة: القطة تشعر بوجع»!... هرعنا بسرعة نحو أقرب بيطريٍّ لإسعافها: فحص، تحاليل مختلفة، كشَّافة لرؤية إذا كان ثمّة طفلٌ ما يزال متشبِّثاً بامعائها أو «حانباً» في بطنها منذ البارحة... ثمّ أعطاها البيطري أدوية لتخفيف الألم، وأخرى لاستعادة النشاط والتقوية... (لن أتحدث هنا، حتى لا أثير استياء وغِيرة وغضب وحقد القطط اليمنية، عن ثمن وأجرة علاج البيطري، التي لا تعوضهما صناديق الضمان الاجتماعي في هذه الحالة)...

الإنجاب الأخير لكاديكوي تمَّ وأنا في طنجة بالمغرب، في مؤتمر علمي، في أواخر مارس 2007... بعثتُ حال عودتي إلى البيت بضعة «اس ام اس» لبعض الأصدقاء الأعزاء في اليمن وفرنسا الذين ظلوا على اتصال بي وأنا في طنجة، أقول فيها: ((ها أنذا واصلٌ للتو من طنجة. لن أستطيع الاتصال التلفوني لأن اليوم عيد ميلاد ابنتي الكبيرة كليمنتين، ولأني أبدأُ عودتي للبيت بالبحث عن حلٍّ لِقطَّتِنا التي أنجبت أثناء غيابي 4 أطفال: طارش وفيجارو، ياسمين ومارلين! الله يعين!...))

أرسل لي أحد الأصدقاء بال«اس ام اس» ردّاً بحجم «طُرّاحة»، هذه بدايته: ((الف حمداً لله على سلامتك وسلامي الحار للزوجة وللقمورة كليمنتين صاحبة عيد الميلاد وعقبى مائة عام إن شاء الله، وأيضا سلامي للولادة صاحبة الأربعة قطط، الحجة أم طارش، ألف سلامة عليها مع رجاء الاهتمام والرعاية بالمواليد جيدا وعدم السماح لهم بالسهر الكثير او النوم بدون غطاء. أما «العرعار» منك فأنا بانتظاره بفارغ الصبر، مع الرغبة أن يكون عرعاراً حميميّاً يليق بطول الانقطاع. وهابي بيرث داي للقمورة كليمنتين، ومبروك على الولادة، ولا تنسونا من لباء الولادة  وأخبرونا متى بايكون السابع وهل ستذبحوا أم لا؟ وكذلك الأربعين وأي «درع» ستلبسه أم العيال الاربعة...))

أرسلتُ لصديقي بال«اس ام اس» ردّاً لا يخلو من نوع من السخط الانفعالي على قطط الجيران: ((أبدعتَ ايها العزيز! «عراري» فيلات الجيران (من نوع الملاكم تايزون) هم غرمائي في هذه الحياة. لن يُرهِبهم إلا فتوان فارس سيف اللي حوَّل قطط شارعنا في الشيخ عثمان عوراً أو عرجاً. صرت الآن، مثل صديقي الرائع معن عبدالباري قاسم، أُفضِّلُ العراري الباردة المعدلة جينيَّا، أقصد العراري «الإيرانية» حسب التسمية الرسمية. خالص الود))

ثمّ مرّ أسبوعٌ تقريباً دون مشاكل...  حتى ليلة 29 مارس 2007: خرجَتْ كاديكوي ولم تعد! تمنَّيتُ أن لا يكون هناك حدثٌ جلل أصابها. تساءلنا في البيت: ربما ضاعت في أقبية أحد المنازل المجاورة، أو انسجنت سهواً في جاراجه؟ ربما أصابها حادثٌ أليم؟ أو ربما ستختفي إلى الأبد مثل أكيزا، بسبب موسم «عشق القطط» الذي بدأ قبل أيام؟...

الجمعة 30 مارس 2007، صباحاً: القطة لم تعد بعد! أتفرَّغُ عادةً منذ سنين في كل جمعة لأموري الشخصية. لا أرتبط فيه في العمل بأي موعد، إلا فيما ندر. أجوب فيه باريس مشياً، من الصباح الباكر حتى آخر الليل، في أغلب الأسابيع. (عادةٌ تأصَّلت منذ منتصف الثمانينات). أحضر فيه بعض الأنشطة العلميّة والثقافية، أزور المكاتب والمعارض، وألتقي بكثير من الأصدقاء والطلاب القدامى...

وجدتُ نفسي هذه الجمعة بالبيت وحيداً (الأطفال بالمدرسة، ولدى زوجتي محاضرات في الجامعة)! القطط الصغار الأربعة تئن ظمأً لثدي أمّها. هرعتُ باتجاه أقرب سوبرماركت أسأل ما العمل. أعطت لي البائعةُ مصّاصاتٍ وحليباً خاصاً لصغار البسس. ها أنذا منذ الصباح «أُبنِّن» البِسَس، أحاول إرضاعها بشكلٍ أو بآخر دون نجاح!... لا أعرف ما العمل: رفض الأربعة تناول المصاصات! كلَّما حاولتُ إرضاعهم، تبلَّلَ قميصي وبنطلوني بالحليب أكثر فأكثر لا غير!...
للبحث عن حلٍّ سماوي، كنت أخرجُ بين الحين والحين لِحديقةِ المنزل، منادياً بأعلى صوتي: «كاديكوي، كاديكوي، على غرار عمبرين عندما تدعو قطّتها للعودة حالاً من تسكّعاتها وفسحاتها في حدائق الجيران. عبثاً!...

كبرَ قلقي مع ازدياد جوع الأطفال الصغار. ذهبتُ لِبائعة السوبرماركت من جديد. أعطتني حقنةً خاصة (بدون إبرة في الطرف) لإرضاع القطط. لم أنجح أكثر من قبل، وإن تضاعف حجم الحليب المقذوف على ثيابي. ثمّ رميتُ مقهوراً المصاصات والحقنه التي لم تنفع جميعها في شيء... استخدمتُ أساليب أكثر بدائية: سكبتُ الحليب في مطيبة. وضعتُ ملعقةً صغيرةً بيد، قابضاً على مؤخرة رقبة كلِّ بسّة باليد الأخرى. ثبَّتتُ ملعقة الحليب في فاه كل بسّة، غرزتُها قليلا لتسريب الحليب وإجبار البسّة على تناوله...
لاحظتُ سريعاً أن طارش (الذي يحمل اسمهُ بجدارة) كان يقذف حليبَهُ على قميصي كلّما توهّمتُ أنه شربه، وأن كلى الذكرين، هو وفيجارو، عاصيان عموماً، صعبا الإرضاع، كثيرا الصراخ والمشاغبة... أيقنتُ أكثر من أي وقتٍ مضى أن جنس الأنثى أرقى من جنس الذكر في كلٍّ الأنواع البيولوجية دون استثناء...

نجحتُ في الأخير إلى حدٍّ ما في إرضاع الأطفال الأربعة، لكني وجدتُ نفسي ملطَّخاً بالحليب المقذوف. تذكَّرتُ هيئتي عندما حاولتُ طلاء سقف إحدى غرف المنزل، في بداية التسعينات، دون أن أضع ثياباً عازلة على رأسي وجسدي. وجدتُ نفسي يومذاك مغسولاً بالطلاء حتى أطراف الجفن!... عندما رأتني حينذاك جارتي الفرنسية (شديدة الديناميكية والأناقة والمهارة) أشبهَ بمخلوقٍ «إكسترا أرضيّ» تفجَّرَتْ ضحكاً! يكفيها، بعد عدة سنين من ذلك، استعادة ذكريات ألوان جلدي الزاهية، من أعلى الشعر إلى أطرف القدمين، لتستولي عليها من جديد عاصفةُ ضحكٍ عنيفة...

شعرتُ بسعادةٍ هائلة بعد أن نجحتُ بإرضاع القطط الأربعة! راقبتُها بعد ذلك ببهجة وهي تحاول المشي قربي لأول مرة، تتسلق جسدي برقة، تعود سعيدةً إلى حجرتها الصغيرة أسفل مدفأة الصالون، تحتكُّ ببعضها، تلتصقُ مثل كومةٍ اسفنجيةٍ دائمة التغيّرِ والتشكُّل، «تتعصورُ» في كل الاتجاهات... بدأتُ أحبُّ من الأعماق هذه الكائنات الرقيقة الصغيرة، المتنوعة الأشكال والألوان. أعطفُ عليها بقوة. شعرتُ بأن عقدة القطط، أو ما كنتُ أسميه إشكالاتي مع القطط، قد حُلَّت تماماً، ولا وجود لها البتة اليوم. لم أفهم كيف يمكن أن لا يُحِبَّ الإنسانُ كائنات ملائكية رقيقة ساحرة كهذه، كيف لا يجد متعةً في مراقبتها والاهتمام بها...
غير أن الأمور تعقَّدتْ قليلا: عليّ أيضاً تنظيف أجساد هذه القطط (التي مازالت صغيرةً لتتعلَّمَ كيف تتخلَّصُ من مخلفاتها) بدلاً من والدتهم التي كانت تنظِّفُهم هي نفسها بلسانها وهي تلحس كلَّ أنحاء أجسادهم، بحركاتٍ فطريّة ماهرة! ما العمل إذن؟... ذهبتُ من جديد للسوبرماركيت... إحدى البائعات تسعفني بقُطنٍ ومحلولٍ خاص لتنظيف مؤخرات القطط وغسل أجسادها الملطخة بشذراتٍ طائشةٍ من الحليب...
مهمةٌ صعبة! لن أكون بمقامها بالتأكيد هذه المرة!...
سألتُ نفسي: من سيسعفني بأخذ هذه القطط الأربعة وتبنِّيهم؟ كيف يمكن أن أقنع عمبرين، حال عودتها من المدرسة، بضرورة إهدائها لأصدقاء أعزاء؟

تذكَّرتُ أحد أروع أصدقائي في فرنسا: أحمد .ف .ب الذي يسكن في منزلٍ غير بعيد عني، منذ أن غادر اليمن بعد أشهر من حرب 13 يناير 1986!... طالما مدحتهُ أمام كثيرٍ من أصدقائي في فرنسا واليمن، الذين أمسوا جميعهم، لاسيما الإناث منهم، يتوقون للتعرف عليه واللقاء به...
الحديث عنه وعن ذكرياتنا المشتركة يحتاج لكتابٍ يتجاوز ال 300 صفحة على الأقل. حياته كلها مغامراتٌ وهفواتٌ و«توديفات». يومُهُ عيدُه، أو بالأحرى كل أيامه أعياد. لا يحقدُ على أحد، يُرضي الجميع على الدوام. مثلي، يعشق الحياة، لا يهمه إلا الضحك يوميّاً، ويهربُ بشكلٍ آليٍّ من كلِّ ما يؤدي في هذا الكون إلى منغِّصات ومشاكل...
ذكرتُه، بشكل خاص، لأن قطَّتهم «ماري شارلوت»، أنجبتْ طفلين قبل أيام ومازالت في طور إرضاعهما حتى الآن! ولأن أحمد لن يرفض لي طلباً! ولأن الحديث عن ماري شارلوت ذو شجون دائماً. ناهيك أنها زارت اليمن في صيفِ 2006 (صدِّقوا أو لا تصدِّقوا!) في إجازةٍ مع صديقي الغالي أحمد! ما حصل لهما مع عساكر مطار صنعاء قصةٌ رهيبةٌ حزينةٌ مضحكة لا تخطر على بال!... سأحكيها الآن في الفصل القادم...

الأحد، 1 ابريل 2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق