ثورة إنعتاق أم ثورة رق؟
قراءة في رواية "ابنة سوسلوف" لحبيب عبد الرب سروري
صباح الارياني
صحيفة : صدى عدَن
في صيف حار من عام 2014 تطل على المكتبات العربية "ابنة سوسلوف" روائية المفكر والاديب اليمني الفرنسي "حبيب عبد الرب سروري" السابعة عن دار الساقي بعد رائعته "تقرير الهدهد والتي اشعر برهبة كلما حاولت ان اقترب من قراءتها بشكل نقدي .ربما رهبة قصوى من الاقتراب من شخصية كشخصية ابي العلاء البطل الاساسي والاعلى اعلى العليين في الرواية العلمية التاريخية الرومانسية الخيالية الفلسفية .
لم هذا المدخل ؟
لأنه يقودني دوما ل"حبيب" صديقي الاقرب والذي يثيربداخلي دوما فضول لا انساني فقط بل كوني علمي فلسفي , بكتاباته كما هوبالقدر نفسه بشخصيته بانسانيته بوجهه الشاب وتقاطيعه التي لاتشيخ وشعره الابيض , بمقدمه من تلك الارض االعجيبة ارض الاساطير التي ذكرت مملكتها في ثنايا كتب الاديان السماوية الثلاث والتي ان ذكرت لشخص ما لايمت بصلة اليها يتملكه عجب عجاب وحيرة قصوى لغموض ذلك البلد ولغرابة كل مايقال عنه من أخبار وصفات
بلد الارهاب
بلد القات
بلد النساء المحتجبات من اعلى الراس حتى اخمص القدم
بلد الديانتين الساميتين اليهودية و الاسلامية بكل مللهما
بلد ابن لاادن الاسم الذي اصبح اكثر شهرة من اسم البلد التي ترجع اليها اصوله
وبعد هي موطن الولادة لحبيب عبد الرب سروري والذي يتمنطق بحزام الكوكب الارضي ليحمله دوما الى هذا البلد الذي فارقه يافعا الى موطنه الاخر الباهر فرنسا, لكنه لم يفارقه الا كمجاز لاغير فهو منغمس فيه بحوارية مدارية تحمله منه لتعيده اليه في توق دائم ان يراه يرتع بحرية ونهضة مناطق عديدة شاهدها من العالم الكبير.
حوارية ثنائية في حياة المفكر والكاتب الصديق "حبيب سروري" هي مايثير فضولي دوما تبدأ من ثنائية الخيال والارقام وتنتهي بثنائية الحياة والموت وهي الفكرة الاساسية في جل كتابات "حبيب سروري " والمنعكسة مباشرة في دواخل ابطال رواياته النفسية اذ تتراوحهم هذه الثنائية حتى في لغتهم الدائرة في حواراتهم مع انفسهم او مع بعضهم بداخل رواية ما ’ وفي انفعالاتهم الانسانية ومسيرتهم الحياتية ,وبعد هي حقيقة علمية ثابتة بين نقطة البداية والانطلاق وفاصل النهاية لذلك الواقع الذي يرسمه حبيب سروري ببراعة .
وهذه هي رواية "ابنة سوسلوف " لاتبعد عن تلك الثنائية والتي تتمحور حول فكرة اساسية
هي فكرة العلم والدين ولا انكر هنا ان هذه الفكرة ليست بجديدة في كل كتابات الكاتب الخيالي منها والعلمي والثقافي بل هي همه الدائم في البحث عن مكمن الحقيقة وتدرجاتها بداءا من الخرافة والنصوص الدينية وانتهاءا بكل نتائج العلم والتي نعايشها يوميا في حياتنا اليومية وهي الكثير من التساؤلات العميقة التي يطرحها في جل كتاباته.
"ابنة سوسلوف" هي قصة ولد وفتاة , رجل وامرأة ,مدينة وبلد.ومن خلال ذلك يضع حبيب سؤال اساسي غير بارز في النص لكنه كامن في كل عبارة من عبارات الرواية :
كيف يلتغي هذا العقل الانساني الجبار والذي وصل الى عنان السماء ليصبح الانسان اسير ظلامية لاعقلانية تشده نحو قاع رهيب من الدمار ولربما الجنون الخفي بانهيار البنية الذهنية للافراد الذين يستسلمون لمثل تلك الاوهام؟
هذا السؤال الهام اعتبره العتبة الهامة ليتسنى الدخول الى بناء نقدي هام في اية قراءة وهومايقود الى توصيفالشخصيات الرئيسية للعمل الادبي وللحق فلوصف حبيب لشخصيات روايته سطوع لاينفع حتى اغماض العين عنه للتخفيف من ذلك السطوع لعمق الوصف السردي الذي يعشي البصر ربما لكنه ينير البصيرة.
ابطال الرواية عمران وـ فاتن "هاوية "أمة الرحمن ـ ومعهم عزرائيل
ابطال رواية "ابنة سوسلوف " اذكياء وذوي مقدرة يختلفون في استخداماتها مابين الحقيقتين الخالدتين العلم ,والدين ,او الشك ,واليقين . لكل شخصية قدرتها المنطقية الجبارة والتي تحول الحقيقة من حالة النفي الى نفي النفي لتاكيد الاثبات وهو مايتبعه بطلي الرواية الاساسيين "عمران" و"هاوية" .
للحق ان الروائي "حبيب سروري" سريالي النزعة وهو الملحوظ في خلطته اللغوية الابداعية بين ثنائياته الفلسفية الرياضية " السرد والمعادلة الرقمية", "الرمز والواقع" " التاريخ العلمي والميثلوجيا", "الوجود والعدم",وبكثافة حسية ملموسة "الحياة والموت".
خليط من كل ماسبق من المفاهيم يصيغها بألوان تتعدد بين طيوفها والوانها القاعدية والوانها المستحدثة واساسياتها وهوامشها لنبحر فيها بسلاسة لغوية ما ان يبداء القارئ باول لفظ منها حتى يجد نفسه قد استفاق من غيبوبة لذيذة في نهاية العمل متقمصا كل الشخوص التي صنعت هذا المركب السريالي.
الشخصيتان الرئيسيتان في رواية "ابنة سوسلوف" عمران وهاوية لايبعدا عن ذلك التصويرعلى الاطلاق فمن اسميهما شرح عيني لمشاهد اللوحة الدرامية.
فحين يفشل العمران وهو التسمية الخلدونية لتنامي المجتمعات وتطوراتها في دورانها الزمني حين يفشل ذلك العمران فلا سواها, الهاوية التي ينهار في لجة ظلماتها البشر فتتهاوى الحياة من حولهم باستتاب كافة المعيقات للنمو .
لايمكن تجاهل الروح الشمولية بداخل الروائي "حبيب سروري "وهو يكتب روايته "ابنة سوسلوف" واعني هنا بالشمولية المعني اللغوي التضمن والاحتواء و المعنى العلمي بمعنى ان ظواهر العلم تنطبق على كل حقائق نتائجه, وحتى شموليته في استخدام الاستقراء النفسي والتحليل الخفي لحالات اللاتوازن المرضية في الصفات الباطنية لبطلي الرواية الا انهما بذكائهما ومقدرتهما كل في مجال فكرته التي تبناها تجعل القارئ يظن انها شخصيات سوية تعكس دراما متحركة بداخل تجمع ما. وبالطبع فهذه الشمولية تنبع من وسع معرفة الروائي المتمكن في مجاله.
عمران بطل الرواية وفق هذا المبدأء الثنائي المعرفي هو جسد وعقل وبالمثل هاوية وللجسد علاته التي يمكن او لايمكن مداواتها وبالمثل العقل .
اللقاء الاول بين الشخصيتين لقاء عقلي بين شرق وغرب, حقيقة ووهم. لكنه حين تعدى العقل تحول الى علاقة جسدية حسية بحته خضع لها العقل في مرحلة بحث تائه ربما كانت هاوية اكثر عقلانية ودراية برغباتها ودوافعها اكثر من عمران الذي سقط في هاوية عميقة بعد مشاهدته لجسد زوجته يتناثر اشلاء لم يعرف منه سوى الاجزاء التي التصقت باقلام رصاص ثبتت ضد الرصاص الذي نخل مسامات جسدها الذي حمل في في احشائه بداية اخرى لحياة جديدة .فقد عمران حياتين بفقدانه ل "نجاة" زوجته التي ضاعت وابنة في احشائها ,فقد عمران زوجته وابنته في تفجير عشوائي لاذنب لمن ذهبوا فيه سوى جنون واختلال عقل مريض .
التقى عمران بعصبون خلوي من عصبونات العقل المريض "هاوية" ولأنها الداء الذي دمر حياته اعتقد ان بها سيكون الدواء الذي سيحييه في حربه الروحية ضد الموت الذي يصاحبه منذ ذكريات عمره المبكر في غنائيات تتخذ في كل فترة كلمات اخرى لنفس النغم "الموت والفناء"
عمران يقطع التاريخ روحة وايابا في رحلة بين الغرب العلمي والشرق الديني رحلةإلى وحدة جسدية"جنسية" خرساء.
تشهد رحلته بين العالمين الغرب العلماني وهو يعود لحضارته الرومانية واليونانية ليجددها ويشعل فيها ما يتقد له عقله البشري الضخم من العلوم والابتكارات
والشرق الديني الذي يباهي يصولاته الحربية وبنهضته القرنوسطية والتي لم تكن سوى نقل واحياء صامت لما قدمته الحضارات السابقة يوقد تلك الصولات بعلوم نقلية وفلسفة ميتافيزيقية غيبية تعلن حربها ضد كل العالم المتعلم الملحد وان استفادت من ابتكاراته واجهزته واسلحته لتعود الى زمن" قندهاري"وقندهار مدينة في افغانستان والتي بها ومنها بدأ تدريب الفصائل البشرية بجهنمية غبية على الموت الاخرق وقتل الانسان بالانسان.
يتقد عمران الحي الميت في شهوته لهاوية الموت ومدبرته التي تختال بجسد أرضي دنيوي ,لايستطيع الافصاح عن توقة لحرية عميقة في خلاياه وعصبوناته الا بالممارسة الجنسيةمع حلم طفولتها لكنها حرية تتخذ ثنائية انتقامية لتاريخ حياتي طويل مر بين مراحل تاريخية سياسية اجتماعية عانت هي منها وعانى منها مجتمعها وعائلتها ليتشظى كل ما بداخلها وتتحول حريتها الى عبودية استسلامية تسخر ذكائها فيها لخدمة من الهته بهواها بذهنية مطموسة المعرفة كما هي في غيبوبة مدركة .
عمران وهاوية بطلي الرواية يصاحبهما الموت معا الى هاوية مرضية عميقة القرار عمران بهادم الملذات الذي يرافقه كظله متخيل غير مرأي ابتدأصحبة عمران حين اختطف زوجته نجاة وابنته الواعدة ,يتحرك هذا الظل في اطر اسماء عديدة هو عزرائيل وهادم اللذات ومفرق الجماعات وهو قابض الارواح وهوملاك الموت وهو خاطف الارواح وناهب الارواح وفي النهاية ماهو الا مكون واحد لمرض عصابي نفسي تلبس عمران بعد تشظي جسد زوجته الى اشلاء هوالرعب من الموت المجسد في نفس عمران حتى وهو يرحل الى ارض الثورات يزامنه برفقته يقتل الحلم والامل الذي تشكل بالتدريج في ذهن عمران بانطلاق ثورات الربيع العربي التي بدورها تحولت الي "فصام اجتماعي بين النماء والهدم او العمران والهاوية كما سبق القول. ينجو عمران في الخاتمة حين يحكم العقل ويتوجه نحو بنى حضارية ثنائية المنشاء هي حضارة "الين واليانج" الصينية والتي تجعل من القوة التعاقبية للطاقة الانثوية والذكرية في الكون سلبا وايجابا الدورة الفعلية لحياة الكون وتشكله .
الحضارة الصينية اعادت لعمران صحته النفسية وواقعيته المدركة حين نفذ من صحبة ملاك الموت له الى عمق حضارتها واخلاقياتها الاجتماعية والتي لم تبن على هيمنة فضائل دينية غيبية المنشاء تزرع في الاذهان البشرية بقسرية غيبية تنذر بعقاب وثواب بل بنيت على حكمة مفكرين من البشرطرحوها للناس كفضائل تنبع من داخل الانسان نفسه.
لكن "فاتن او امة الرحمن او كما اسماها عمران هاوية تظل في القاع تشهد تصاعد نجمها الشخصي بداخل جماعات تعمل على اهدار انسانيتها وخراب مجتمعها ودماره. وهي المجتمعات العربية التي سلمت واستسلمت لحقب طويلة من الزمن لدكتاتورية حاكمة لاهم لها سوى النعيم على اشلاء الفضيلة الانسانية و وهاهي بالمثل تسلم ثوراتها لنفس القوى الظلامية التي هيمنت طويلا وبنفس النفس الاستسلامي والذي لم يخرج فعليا من قاع الهاوية المظلم.
لم تنج فاتن ولن تنجو وثورتها ماهي الا نقاب وضعته وتخلت عنه في العلن لتبدله بعدة "نقب" حسب المواقف والحالات وهي لو أصبحت امة للرحمن ففماهي الا في قعر هاويةعبودية .
هذه هي الشخوص الرئيسية التي حركها الروائي حبيب سروري في خضم دراميته السريالية تظهر بينها شخصيات هنا وهناك لزمن وتطفو ثم تغوص سلبا او ايجابا بين ما آل اليه الظرف المروي.
للزمن ثنائيته في رواية "ابنة سوسلوف" فهو يتحرك بين زمن واقعي باحداث تاريخية شكلت حقائق ووقائع يعرفها القارئ لتاريخ اليمن في الفترة المعاصرة والحديثة في الفية الربيع العربي ,لكنه ايضا مرادف للزمن الافتراضي الذي يتحرك شخوصه داخل عالم الأنترنت او عالم الفيسبوك المجتمع الافتراضي حر في حركته فهو قد يتنقل من الماضي الى الحاضر وربما المستقبل , ومن خلاله يمكن للفرد تحقيق جولات وهمية وبطولات وانتصارات لفظية.
يتحرك افراد هذا الزمن في دقائقه دون فارق بين تعاقب فلكي وباسماء حقيقية او وهمية او تعبيرية لايهم فهو وسيلة لنقل المعلومة دون تمحيص صحتها او عدمه نقل الخبر بعث تحايا الحياة اليومية وطقوسها التي لاتعني الا زمن من يعيشها فقط ولحظته التي كتب فيها الخبر وارسله .كيف يتجاوب الناس مع زمن هذا المجتمع الافتراضي لايهم!الكل يعيش الجولة خارج الزمن وبانتظار جولة اخرى خارج الزمن أيضا والى ان تظهر حقائق الفيس بوك كوقائع تكون الجولات قد دارت في ذلك الزمن الافتراضي ولم يعد لظهور الحقيقة اي معنى .
.وهكذا فعل عمران في الرواية فهو يخرج عن جدله العقيم مع هاوية في سرير عشقهما ليحاول اظهار الحقيقة لها على صفحات الزمن الافتراضي "الفيسبوك" لكنها تلعب نفس لعبته محركة لدمى عديدة.في حين يفتقد هو للفضاء الواسع الذي يتحرك فيه وبالتالي فقد نفر من كل ذلك لينجو الى حكمته الصينية التي انقذته.
طلق عمران في النهاية كل عالم ابنة سوسلوف واصبح بعيدا خارج زمنها الفعلي والافتراضي معا.
شفي من عشقها وشفي من عبوديتها وشفي من دفن حريته الفكرية في علاقة جسدية خرساء لاحوار فيها الا للاعضاء البشرية تخلص من عصابه ان يفقد تلك اللحظات التي قضاها مع هاوية وان كان مازال يامل ان هناك مارد ثائر لابد سيبزغ من ظلمة الهاوية يوم ما وما زلنا في اليمن وفي كل مجتمعاتنا العربية ننتظر ذلك المارد ربما سليل عمران من محبوبته القادمة من حضارة كونفيشيوس والين واليانج الصينية.
من تعليقاتي في الفيس بوك:
الديمقراطية هي الفرضية الغائبة لافي اليمن فقط بل في في جل مجتمعات الربيع العربي والتي لم تتجاوز بعد ظروفها السابقة وليس من السهل تجاوزها في فترة قصيرة ,اذ تحتاج لتجاوزها الى تغيير جيني في المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية بحيث يصبح من البديهيات ان يرتبط بناء الدولة بالديمقراطية .لست مع القائل ان المكونات الاجتماعية والسياسية كالقبلية والمذهبية والمفاهيم الحزبية السابقة لايجب ان تتفكك لتحقق ثنائية بناء الدولة والديمقراطية . بل يجب تفككها واحلال بنى جديدة , ولن يكون ذلك بطفرة سريعة او بقرارات تاتي من اعلى البنية الاجتماعية بل يجب ان تتغير قيم ومفاهيم المكونات الاجتماعية الاساسية لتتمكن القمة الهرمية من العمل بفرضياتها الاصلاحية المطروحة.
صباح الارياني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق