في الوقت الذي ننتظر بفارغ الصبر أن يكشف لنا الشيخ الزنداني بعض ملفات حياته الغامضة، مثل ملف مقتل الشابّة العدنية لينا مصطفى عبدالخالق في بيته قبل سنين، يعود لنا بأسطوانة اكتشافاته من جديد.
آخر اكتشافاته الصارخة (بعد اكتشافه الأسبوع الماضي لعرض باب الجنّة):
أعلن أنه سيفجّر قريباً مفاجأة الموسم السارّة التي ستذهل الجميع:
حلّ مشكلة الفقر في اليمن بالاعتماد على الكتاب والسنة!
تجاوز هكذا النبيَّ العزيز محمد الذي لم يدّع يوماً أن لديه حلّاً لمشكلة الفقر، هو الذي قال: "أنتم أدرى بأمور دنياكم"!...
وتجاوز بالطبع الخليفة علي بن أبي طالب الذي يروى أنه قال في لحظة يأس واستسلام مطلق أمام بعبع الفقر: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
مشكلتنا العريقة: الفقر ليس رجلاً، ونحن لا نجيد كما يبدو غير القتل، فيما حل مشكلة الفقر "شغلانة" من نوعٍ آخر!…
الأغرب: لم أكن أعرف أن الكتاب والسنة يحويان برامج اقتصادية لحل مشاكل الفقر، أو لإعداد سياسة صناعية، أو للقضاء على أزمة الكهرباء، لتطوير الاستثمارات السياحية...
الرسول الغالي محمد لم يسمع عن الكهرباء خلال حياته حسب معرفتي، لم يدرس تخطيط النمو الاقتصادي، ولم تكن مهمته على الإطلاق تقديم أي أفكار تساعد في تطوير الاستثمارات السياحية والبرامج التنمويّة وسياسة البحث العلمي...
ولم يعد أيضاً حتى بالإمكان تقليد الرسول في فتح الدول المجاورة بالسيف، كيما يقول الشيخ الزنداني إنه وجد حلّاً من الكتاب والسنة مثل: الجهاد والفتوحات والاستفادة من ثروات المهزومين.
إذ نحن نحيا اليوم في عصرٍ تفصلهُ سنين ضوئية عن عصر الرسول، مَنعتْ فيه أخلاق "مبادئ حقوق الإنسان"، ووثائق الأمم المتحدة التي وقَّعتْ عليها كلُّ الدوّل، ممارسةَ العبودية وامتلاك الجواري والسبايا الذي لم يمنعهُ دين الإسلام.
ناهيك عن أن الجيش اليمني لا يمتلك القدرة على الانتصار حتّى في معاركه الداخلية، كحروبه الست في صعده.
(الأبشع في هذا الصدد: ابتكر علي عبدالله صالح للجيش اليمني استراتيجيته الحربية الشهيرة: "ضارِطِه يا ابن عمّي ضارِطِه!" التي ستظل مرتبطةً باسمه، عندما قال للإمريكان: إضربوا بطائراتكم حيثما تريدون، وأنا سأقول لشعب اليمن إنها ضربات "نوعيّة" يقوم بها الجيش اليمني.
جسّد صالح هكذا على الصعيد العسكري ذلك المثال الشعبي البذيء جدّاً الذي يُنسبُ لِزوجٍ دخل على زوجته وهي في حضنِ ابن عمّه.
هامس حينها ابنَ عمّهُ بتلك العبارة لِيشجّعهُ على إثارةِ زوجتهِ وجعلِها تصرخُ من اللذة بصوتٍ مسموعٍ يبهر ويوهم الجيران بأن الزوج سبب تلك الصرخات!).
بيد أن أكثر ما أثارني في إعلان الشيخ الزنداني هو استعمال كلمة: "مفاجأة".
اعتدنا في الحقيقة سماع كلمة "مفاجأة" في حاجات يومية صغيرة: هدية عيد ميلاد، رسالة غير متوقّعة، موعد لم يكن في الحسبان...
لكنها بالتأكيد لا تحتمل هذا الاكتشاف التاريخي، الأثقل على كُوعِها قطعاً، أهم اكتشافات الكون قاطبة...
أربكتني أيضاً رغبة الزنداني في التشويق القاتل قبل إعلان مفاجأة الموسم التاريخية في مؤتمرٍ قادم لفقهاء اليمن، كأنه مُغَنٍّ يُماطل في دخوله منصة الغناء، فيما الناس تموت من الفقر والجوع!...
أتساءل منذ البارحة: ماذا سيعلن لنا الزنداني إذن؟
بانتظار مفاجأتهِ الذي وعدَ بها، فكّرتُ طويلاً، دون جدوى...
تذكّرتُ مأساة ادّعاء الشيخ الزنداني علاج مرض الإيدز بالأعشاب (الأشبه بحال من يدّعي أنه سيصعد القمر بدرّاجة!)، فيما ما زالت الدول الصناعية لم تجد بعد لذاك المرض لقاحاً، رغم أنها كرّست قبل خمسة سنوات ستين مليار دولاراً لتطوير البحوث العلمية المكرّسة لِعلاج هذا المرض المريع!...
في أي بلد آخر، كانت الدنيا ستنقلب رأساً على عقب بسبب فضيحة هذه الشعوذة التى تؤدي بحياة مرضى عديدين يدفعون ثمن تصديقهم...
لكن في اليمن لا يكترث أحدٌ بذلك. لا يوجد في الحقيقة أي إحصاء لعدد من أطاح بهم علاج الشيخ الزنداني.
السبب، كما يبدو، غائرٌ في ثقافة الموت:
ومن لم يمت بالإيدز مات بغيرهِ
تعددت الأسباب والموتُ واحدُ
تساءلتُ: من يدري، لعل بائع الموت، مفتي تحليل نهب وقتل أبناء جنوب اليمن في حرب ١٩٩٤ (في مثل هذا اليوم السافل: ٧ يوليو!)، "كليم الّدجل" (حسب تسمية الكاتب الموهوب فكري قاسم)، سيجدُ حلّاً عبقريا لداء الفقر في اليمن، بالأعشاب أيضاً...
وقريبا، من يدري أيضاً، سينافس الغرب في الصعود إلى القمر والمريخ وأقصى المجرات، بالأعشاب أيضاً!...
أتذكّر الآن كم صُدِمتُ عندما دعى مسئولو ساحة التغيير بصنعاء، في بدء الثورة، ظلاميّاً من العيار الثقيل كالزنداني، للحديث مع الثوار، متجاهلين أن ذلك يعتبر إهانةً جماعيّة لمواطني كلِّ جنوب اليمن على الأقل.
تساءلتُ حينها، في لحظة مرارة، إن لم تكن هذه الثورة أشبه ب "حلم مُحشّش" على حدّ تعبير الصديق العزيز بشير زندال.
أما عندما قال الزنداني لثوار الساحة حينها إن نضالهم "يستحقّ براءة اختراع" (مُقحِماً مفهوم "براءة الاختراع"، الذي يبدو أنه يجهل مدلوله وآلياته تماماً، في غير سياقِهِ المجازي والحرفيّ معاً) فأدركتُ كم يجيد الشيخ الزنداني إذهالنا باختراعاته المفاجئة. إذ من غيره يستطيعُ اختراعَ هذه المفارقة السيريالة: مشعوذ يتحدّث عن براءة اختراع؟…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق